تاريخ سوريا: من العصور القديمة إلى ثورة التحرير

كانت سوريا تُسمى سابقًا “إبرناري”، وتعني “عبر النهر”، وقد ظهر هذا الاسم في الكتاب المقدس في عزرا ونحميا، وكذلك في تقارير كتبة الملوك الآشوريين والفرس. ويقال إن اسم سوريا قد اشتُق من الاسم الذي كان يطلقه المؤرخ الإغريقي هيرودوت على آشور، ولذلك لسوريا تاريخ طويل وعريق. فقد تأسست أهم مدينتين في سوريا القديمة، ماري وإيبلا، حوالي 4 آلاف و3 آلاف سنة قبل الميلاد. وبعد حكم الإمبراطورية الأكدية، تضررت المدينتان قبل أن تنهضا تحت سيطرة الأموريين في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وصارت تعرف بأرض “أمورو”. ولأهميتها الاستراتيجية التي جعلتها تقع على مفترق طرق تجارية، استولت عليها عدة ممالك وإمبراطوريات، منها مملكة ميتاني، ثم الحثيون، ثم الآشوريون عام 1245 قبل الميلاد.

 

في القرن السادس قبل الميلاد، خلال العصر البرونزي، كانت المناطق الغربية لسوريا جزءًا من مملكة كنعان القديمة، بينما كانت مناطقها الشرقية تحت حكم حضارات بلاد ما بين النهرين. تحت الحكم المسيحي، سيطر البابليون على سوريا 605/549 قبل الميلاد، ثم احتلها الفارسيون، ثم الإسكندر الأكبر، ثم حكمها الأرمن. وبعدها استولت الإمبراطورية الرومانية على سوريا عام 116 ميلادي، ثم سيطر البيزنطيون عليها، حتى بدأ الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي. انتشر الإسلام في سوريا بعد هزيمة البيزنطيين في معركة الجسر الحديدي في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، بقيادة أبي عبيدة الجراح، حيث فُتحت المدن تلو الأخرى وأصبحت سوريا جزءًا من الخلافة الراشدة، حيث ازدهرت البلاد اقتصاديًا وثقافيًا وحضاريًا ومعماريًا تحت حكم الأمويين الذين جعلوا دمشق عاصمة الخلافة عام 661 ميلادي.

 

ثم صعد الحكم العباسي عام 750 ميلادي، وانتقلت العاصمة إلى بغداد، مما أثر اقتصاديًا وثقافيًا على سوريا، وظهرت دويلات شبه مستقلة مثل الحمدانية والسلجوقية. بعد ذلك، كان هناك صراع على المنطقة حيث أعاد البيزنطيون حصار المنطقة عام 962 ضمن حملتهم الصليبية الأولى، وفي الحرب الصليبية الثانية حاصروا دمشق، ومع ذلك لم يستطيعوا احتلالها حتى جاء الزنكيون الذين وحدوا شمال البلاد، ثم وحدها من بعدهم صلاح الدين الأيوبي مع مصر واستعاد القدس. وكانت له مع إمارتي أنطاكية وطرابلس معارك دورية.

 

بعد الأيوبيين، حكم المماليك وطردوا الصليبيين من أنطاكية عام 1268، ثم من طرابلس عام 1285. لكن خلال هذه الفترة، تعرضت دمشق وحلب للحرق والتدمير على يد المغول بقيادة هولاكو، قبل أن يطردهم المماليك في معركة عين جالوت. ومع ذلك، لم تسلم المنطقة من الغزوات والدمار حتى انهار حكم المماليك في معركة مرج دابق، ثم سيطر العثمانيون على المنطقة، واستمر حكمهم 400 عام.

 

بعد الحكم العثماني، وصل الانتداب الفرنسي إلى سوريا عام 1920 في مؤتمر سان ريمو، حيث قُسِّمت سوريا إلى عشرة كيانات. اندلعت الثورة السورية الكبرى عام 1925 اعتراضًا على السياسات الفرنسية، وأجريت انتخابات الجمعية التأسيسية، ثم في عام 1930 تم تشكيل الدستور السوري، وأصبح محمد علي العابد أول رئيس جمهورية. استمر النضال ضد الاستعمار الفرنسي في السنوات اللاحقة، وشهدت البلاد أحداثًا كثيرة مثل الإضراب الستيني، وتوقيع معاهدة سورية فرنسية عام 1936، ووصول هاشم الأتاسي إلى رئاسة البلاد.

 

سيطر الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية على سوريا بعد معركة دمشق عام 1941 وأخذوها من تحت حكم “حكومة فيشي”، ثم أعلنوا استقلالها ونظموا انتخابات أسفرت عن انتخاب شكري القوتلي رئيسًا. وبعد انتهاء الحرب، اندلعت الانتفاضة المطالبة بالاستقلال التي حررت البلاد عام 1946. استقلت البلاد عام 1946، لكنها عانت من اضطرابات سياسية مستمرة، بما في ذلك الانقلابات العسكرية. استولى الجيش على السلطة عام 1949، ثم اتحدت سوريا مع مصر بين عامي 1958 و1961 تحت اسم “الجمهورية العربية المتحدة”، لكنها انهارت بعد انقلاب عسكري تبناه حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي سيطر على البلاد في انقلاب آخر في مارس/آذار 1963.

 

وصل حافظ الأسد إلى السلطة بعد الانقلاب الأخير عام 1970، وأقر دستورًا جديدًا كرّس فيه نظام الحزب الواحد، وجعل الحزب قائدًا للدولة. لكن في عهد الأسد، شهدت البلاد قمعًا للحريات، وظل العلويون على رأس السلطة منذ ذلك الحين، رغم الانتفاضة الشعبية في بداية الثمانينيات التي راح ضحيتها العديد من سكان مدينة حماة. استمر حكم حافظ الأسد على نهج الحزب، وقمع الحريات والرأي الحر في سوريا، مع محاسبة كل من طالب بالإصلاح وتيسير أمور الدولة.

 

من بعده، تولى ابنه بشار الأسد الحكم عام 2000، حيث تأزمت العلاقات الدبلوماسية مع الدول المجاورة والدول الكبرى، وصولًا إلى الثورة السورية عام 2011، التي طالبت بالحرية والعدالة والكرامة. وتوالت المظاهرات في جميع أنحاء البلاد، حيث واجه النظام السوري المظاهرات بالقمع والرصاص والاعتقالات والانتهاكات وعمليات المداهمة، واعتقال الناشطين السوريين والمتظاهرين السلميين، كما نصب الحواجز في أطراف المدن والأرياف، وشن الحصار والقصف المستمر، ودمر المدن والبنى التحتية، واستخدم السلاح الكيماوي، وتهجر ملايين السوريين ونزحوا. تم إنشاء أفرع أمنية ومعتقلات وحشية، واستخدمت أساليب تعذيب داخل السجون.

 

ثم استعان النظام السوري بأطراف خارجية لمساندته في قتال الثوار والجيش الحر، منها إيران وروسيا، حيث أسهمت تلك الجهات في بقاء النظام. كما شنت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات قانونية على النظام السوري تحت اسم “قانون قيصر” الذي هدف إلى الضغط على النظام بسبب القتل بحق الشعب السوري. كانت البلاد في حالة سيئة جدًا، حتى أعلنت المعارضة السورية في 27 نوفمبر 2024 إطلاق معركة “ردع العدوان” بقيادة أحمد الشرع، حيث سيطرت في الأيام الأولى على مدينة إدلب وحلب ثم حماة وحمص. في اليوم 12 من المعركة، أعلنت المعارضة السورية سيطرتها على العاصمة دمشق وإسقاط حكم الأسد الذي استمر 53 عامًا، وتحرير البلاد من الطغاة والمجرمين، وتولي أحمد الشرع رئاسة الجمهورية العربية السورية في 29 يناير 2025. وانتصرت الثورة السورية في 8 ديسمبر 2024.

شارك المقال :

فيسبوك
واتسأب
تلجرام
اكس (تويتر)

مقالات قد تعجبك :

تتنقّل سورية بعد سقوط الديكتاتورية الاقتصادية بين إرث كينزية مشوّهة وهيمنة شبكات الحرب، بينما تحاول الدولة اليوم بناء اقتصاد نيوليبرالي…
مع تصاعد الإصلاحات التشريعية والانفتاح الدبلوماسي، تستعيد سوريا موقعها على الخريطة الدولية بثبات جديد ورؤية أكثر نضجاً، مرحلة انتقالية واعدة…
تمكين الشباب السوري هو ركيزة أساسية لإعادة البناء والتنمية، عبر دعمهم اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا، بما يعزز الاقتصاد المحلي والتماسك الاجتماعي…

القائمة