سوريا إلى أين؟

الوضع العام:
بعد خلع حكم النظام البائد قُبيل ما يقارب العامً، تَحرر عموم الشعب السوري من حُقبة القبضة الحديدية التي لطالما شكلها نظام الأسد المخلوع.
لكن أصبحت الجغرافيا السورية أمام هُوّة كبيرة من عدة جوانب على المستوى الأمني، والعسكري، والاقتصادي، والعديد من الجوانب التي تعتبر حجر الأساس في نُخاع الدول، لكن هذا الحال لم يطل كثيرا، حيث حلّت الحكومة السورية الجديدة وبحلة جديدة بعد مرور القليل من الوقت على هذا السقوط، ورممت إلى حد ما عدة جوانب من هذه الهوة التي خلّفها ذلك السقوط، مع وجود بعض العقبات التي كانت ولا زالت تشكل عائقًا أمام أهم الملفات التي ينبغي طيّها والسيطرة عليها، منها:
عائق ما يُعرف بتنظيم قوات سوريا الديموقراطية (قسد).
والعائق الذي تحرك جنوبا في جبل العرب بعد فترة ليست بالبعيدة، وبات يعرقل مسارات الحكومة على الطرف الآخر.

 

الاتفاقيات وقضية شمال شرقيّ سوريا

 

– في العاشر من آذار من العام 2024 الذي تم فيه إسقاط نظام الأسد، جرت تواصلات بين دمشق وقسد، تهدف إلى التوصل لاتفاق يقضي بتوحيد البلاد، وخضوعها لسلطة دمشق المركزية، واستمرت هذه التواصلات حتى جرىٰ بعد التنسيق لقاء فيزيائي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع مع قائد قوات قسد (مظلوم عبدي) تم فيه الحديث عن السبل التي تدعم توحيد البلاد، واستيعاب قوات قسد ضمن مؤسسات الدولة، ودمجها مع مؤسساتها شرقا ضمن المؤسسات الحكومية، كما وجاء في الاجتماع ضمان حقوق الأكراد لغة وثقافة، وأحقية مشاركتهم في العملية السياسية على أساس المواطنة، بغض النظر عن العرق أو الدين.

 

التحديات:

 

على الرغم من صك هذا الاتفاق وإبرام بنوده، إلا أن الخلافات لا تزال قائمة حتى اللحظة بين دمشق من جهة، وقوات قسد من الجهة الأخرى، وأهم هذه التحديات:

١- جوهر ومفموم الدمج (العسكري) خصوصا، حيث تريده الحكومة بانحلال قوات قسد كأفراد كما فعلت مع الفصائل الثورية الناشطة، وتريده قسد كتلة واحدة وبالهيكلية التي هي عليها.

٢- التباطؤ في تنفيذ بنود الاتفاق المبرم، مع ظهور الأصوات العربية التي تنادي بتسريع تخليص مناطقهم من قبضة الأحزاب التابعة لقسد.

٣- الحركات المناوئة التي تقوم بها قوات قسد، بعد الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار على كامل الأراضي السوريةء فهي لم تلتزم بذلك، فتارة تشن هجوما على مواقع الجيش والأمن السوريين، وتارة أخرى تقوم بعمليات ابتزازية، وتشن حملات تعسفية في مناطق سيطرتها ضد المدنيين بحجة البحث عن مطلوبين لها.

٤- عمليات التجنيد الإجباري، وهي جوهر من جواهر الخلاف بينها وبين دمشق، فهي تتمسك بها، بينما ترى الحكومة أن الجيش والأمن والعمل في مختلف دوائر الدولة (طوعيا).

 

– ومن التحديات التي تواجهها الحكومة السورية اليوم، ملف محافظة السويداء والتي أصبحت قضية يتعلق ملفها بإسرائيل من جهة، وبقسد نفسها من جهة أخرى، بعدما ظهرت فيها جماعة تحت مسمى (مجلس السويداء العسكري) تطالب بحفظ الأمن المحلي، وتنظيمٍ إداري خاص، وتستبعد فكرة الحكومة المركزية، وترأّس المشهد وظهر إعلاميا (حكمت الهجري) الذي أعلن الولاء لإسرائيل، وطالب بحماية دولية، وتدخل للجيش الإسرائيلي، بعد أن شهدت المحافظة اشتباكات عنيفة، تمت السيطرة بعدها على المحافظة بشكل شبه تام، فسارعت إسرائيل بالقصف الجوي على نقاط الجيش والأمن في مساندة واضحة لأبناء المحافظة، ولمطالب الهجري (الذين اصطفوا ضد دولتهم) وقتلت العشرات منهم بغاراتها، ودمرت أجزاء واسعا من مبنى (رئاسة الأركان) بغارات جوية عنيفة، حيث يعتبر هذا إعلان حرب، وانتهاكا صارخا للقانون الدولي، ولا تزال إسرائيل تقصف كل حين منشئات عسكرية، ومخازن أسلحة في سورية، بحجة الأمن القومي، وضرورة إخلاء الجنوب السوري من السلاح، وهذا تحدّ آخر تشهده الحكومة السورية.

 

السيناريوهات المحتملة:

 

أولاً: سيناريو ملف (قسد)

١- الدمج الفعلي: إذا نجحت الحكومة بإعادة بناء حضورها ودعم الخدمات، فقد يصبح شمال شرق سوريا جزءًا فعليًا من الدولة، مع نوع من الحكم المحلي.

 

٢- الحكم الذاتي الموسع: قد تُمنح المنطقة صلاحيات محلية كبيرة (على غرار النموذج الكردي سابقًا)، مع وجود الدولة فقط في الهياكل العليا.

 

٣- الانفصال الفعلي أو الانقلاب المحلي: في حال فشل الدمج أو تصاعد الاحتقان القَبَلي/الإثني، فهناك احتمال انزلاق المنطقة إلى حكم محلي فعلي أو صدام مع الدولة المركزية.

 

ثانياً: سيناريو ملف (السويداء)

 

الحكومة تُمكّن الدروز بمزيج من اللامركزية مع ضمانات لحقوقهم، مما قد يسمح باستقرار نسبي في السويداء.

وإن استمرار التوتر والتهميش يؤدي إلى تدوير الصراع، مع مزيد من العنف المحلي، وانسحاب الدولة، وربما حكم ذاتي فعلي.

واستخدام القوى الخارجية للساحة المحلية يجعل السويداء منطقة نفوذ بديل، ما يزيد من انقسام الدولة السورية.

 

على العموم، إلى أين تتجه سوريا؟

 

إذا نجحت الحكومة السورية في تنفيذ الدمج مع (قسد) والطوائف المحلية، وأمنت حرفيًا الخدمات والأمن، يمكن أن تبدأ سوريا بالتحوّل نحو دولة أقل مركزية مع مشاركة أكبر للمجتمعات.

لكن الطريق محفوف بالمخاطر:
فشل الدمج، وفشل احتواء السويداء.
تزايد المطالب المحلية، حكم ذاتي لقسد، وآخر لأبناء السويداء.
تدخلات أجنبية ونزاعات على السلطة، يمكن أن تفضي إلى تفتيت فعلي للدولة السورية أو ظهور “دويلات داخل الدولة”.

 

خلاصة سريعة:

 

اتفاقات اليوم مع (قسد والسويداء) خطوة إيجابية لكنها ليست حلاّ نهائيًا، إذ النجاح يعتمد على التنفيذ والضمانات والحقوق والمشاركة الحقيقية، والفشل قد يقود إلى انفصال فعلي لأجزاء من سوريا أو استمرار فراغ الدولة، وخاصة مع بقاء الملف الآخر (فلول النظام) ملفا غير آمن، وغير مأمون الجانب كذلك، فهم لا زالوا يتحركون بين الحين والآخر، ويقتلون ويسلبون ما بين المدنيين والعسكريين.

 

إذًا فالحل الأفضل:
الإبقاء على المبادئ التي تريدها الحكومة، من حكومة مركزية، مع الامتيازات الأساسية المحقة التي تضمن حق كل من (الأكراد والدروز – كجزء من العرقية السورية، وكشعب في البلد -) لا ككيانات وكانتونات مستقلة تطالب بالانفصال والتدخلات الأجنبية، إذ لو حصل ذلك لفتت كاهل الدولة، ومزقها داخليا إرَبا إربا.
ـ وإلا: فلا خيار للعضو المطعون الميئوس منه سوى (البتر) وتطهير الجسد منه.
فسوريا بلد واحد، شعب واحد، حكومة واحدة، وهذا يعني أنها (جسد واحد

شارك المقال :

فيسبوك
واتسأب
تلجرام
اكس (تويتر)

مقالات قد تعجبك :

تتنقّل سورية بعد سقوط الديكتاتورية الاقتصادية بين إرث كينزية مشوّهة وهيمنة شبكات الحرب، بينما تحاول الدولة اليوم بناء اقتصاد نيوليبرالي…
مع تصاعد الإصلاحات التشريعية والانفتاح الدبلوماسي، تستعيد سوريا موقعها على الخريطة الدولية بثبات جديد ورؤية أكثر نضجاً، مرحلة انتقالية واعدة…
تمكين الشباب السوري هو ركيزة أساسية لإعادة البناء والتنمية، عبر دعمهم اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا، بما يعزز الاقتصاد المحلي والتماسك الاجتماعي…

القائمة