يقول النبي ﷺ: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” (متفق عليه)
لم تعد الحروب محصورة في ميادين القتال، بل صارت تدخل إلى بيوتنا عبر الشاشات، أطفال غزة يشاهدون صور الجوع والدمار في واقع حي، وأطفال سوريا درعا و السويداء يرون مشاهد المواجهات المسلحة على
هواتفهم. ورغم أن ليس كل الأطفال يتأثرون سلبًا، إلا أن بعضهم أكثر حساسية فيتأثر بدرجات متفاوتة، وقد يقودهم ذلك إمّا إلى الانسحاب الاجتماعي أو إلى تبني سلوكيات وأفكار متطرفة، إذا لم يجدوا بيئة أسرية
واعية تحتضنهم.
الأثر النفسي لمشاهد العنف:
الدراسات النفسية، ومنها أبحاث ألبرت باندورا في التعلم الاجتماعي، توضح أن الأطفال يكتسبون السلوكيات بالملاحظة والتقليد. فمشاهدة العنف مرارًا تجعل بعض الأطفال:
إما ينسحبون اجتماعيًا: يشعرون بالخوف الشديد ويفقدون الثقة بالآخرين.
أو يميلون إلى العنف أو التطرف: خصوصًا في بيئات يغيب فيها الحوار الأسري والدعم النفسي.
إحصاءات حديثة للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال تشير إلى أن التعرض المتكرر للعنف يزيد احتمالية السلوك العدواني بنسبة 70٪، ويضعف القدرة على التعاطف مع الآخرين بشكل واضح.
غزة و جنوب سوريا… اختلاف المشهد وتشابه الأثر:
غزة: أطفال يشاهدون الدمار والجوع واقعًا حيًا، حيث ارتفع سوء التغذية الحاد بنسبة 146٪ منذ فبراير 2025 وقُتل أكثر من 1000 طفل جوعًا منذ مايو، وفق تقارير أممية. هذه المشاهد تترك صدمات مركبة تؤثر في نموهم
النفسي والاجتماعي.
الجنوب السوري: رغم اختلاف السياق، تنتشر مقاطع صراع مسلح عبر الشبكات، ما يجعل الأطفال أمام صور عنف متكررة قد تخلق لديهم إما خوفًا وانطواءً أو انجذابًا لفكرة القوة والعنف إذا غاب التوجيه الأسري.
دور الأسرة في الوقاية:
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ (التحريم: 6)
1- المشاهدة المشتركة: تجنب ترك الأطفال بمفردهم أمام المحتوى العنيف، بل مشاهدته معهم وشرح ما يرونه.
2- الحوار والتفريغ: أسئلة بسيطة مثل “كيف شعرت بعد مشاهدة هذا؟” تساعد على معالجة الانفعالات.
3- النمذجة السلوكية: الأهل الذين يضبطون انفعالاتهم ويُظهرون تعاطفهم يقدمون نموذجًا يحمي الطفل من التطرف.
4- ضبط وقت الشاشة: الالتزام بتوصيات الأكاديمية الأمريكية للأطفال (ساعة يوميًا قبل سن السادسة).
الحلول المجتمعية:
- إنشاء برامج دعم نفسي مدرسي لمتابعة الأطفال بعد مشاهدة الأحداث المؤلمة.
- إدراج مناهج تعليمية للقيم ومهارات حل النزاعات.
- إطلاق حملات توعية إعلامية تشرح مخاطر ترك الأطفال دون إشراف أمام المحتوى العنيف.
الخلاصة:
مشاهد العنف لا تعني بالضرورة تأثر جميع الأطفال سلبًا، لكن الأطفال ذوي الحساسية العالية أو من يفتقدون بيئة حوار ودعم أسري معرضون أكثر للانسحاب أو التطرف. وعي الأهل ومرافقتهم لأطفالهم هو خط الدفاع
الأول لبناء جيل يعرف واقعه دون أن يصبح ضحيته أو جزءًا من دورة العنف.
د. دعوة الأحدب – أستاذة علم النفس الاجتماعي
#حماية_أطفالنا
#وعي_رقمي