تأتي زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة في لحظة سياسية بالغة الحساسية، ليس فقط على مستوى العلاقات السورية – الأميركية، بل في سياق النظام الدولي المتحوّل بأكمله. فالزيارة تحمل في جوهرها رسائل متعددة الاتجاهات، تسعى من خلالها دمشق إلى تثبيت حضورها في معادلة القوة الإقليمية، وإعادة تعريف موقعها بعد سنوات من العزلة والتحديات.
منذ تولّيه الرئاسة، انتهج الشرع سياسة خارجية تقوم على البراغماتية الواقعية، مع الحفاظ على الثوابت الوطنية التي شكّلت أساس الموقف السوري لعقود. وهذه الزيارة – التي تترقبها العواصم الإقليمية بدقة – تمثل اختباراً عملياً لقدرة القيادة السورية على فتح قنوات تواصل مباشرة مع واشنطن دون المساس بالسيادة أو المبادئ.
ورغم أن الملفات المطروحة على الطاولة معقّدة، بدءاً من الوجود الأميركي في الشرق السوري مروراً بالمسار العربي المشترك تجاه القضايا الإقليمية، وصولاً إلى القضية الفلسطينية التي لا تغيب عن الخطاب السوري الرسمي، إلا أن الشرع يدرك أن لغة اليوم ليست لغة المواجهة، بل لغة التوازن والمصالح المشتركة.
فالتحولات الدولية التي يشهدها العالم بعد انقسام مراكز القرار بين الشرق والغرب، تفرض على دمشق أن تلعب دوراً متوازناً بين الانفتاح المدروس والتمسك بالثوابت، وهو ما عكسته خطوات الشرع الأخيرة في إعادة تنشيط العلاقات مع القوى الإقليمية والدولية على حد سواء.
إن زيارة واشنطن ليست مجرّد لقاءات بروتوكولية، بل هي رسالة سياسية مفادها أن سوريا قادرة على الحضور والحوار، وأنها لم تعد تُقاس بمعايير الماضي، بل بما تملكه من رؤية جديدة للسلام والأمن الإقليمي.
وفي زمن تتبدّل فيه التحالفات، يثبت أحمد الشرع أن الهدوء لا يعني الضعف، والدبلوماسية ليست تنازلاً، بل أداة لاستعادة الدور والتأثير.