الاستبداد هو أصل انحطاط الشعوب وتخلفها، وأعظم مظاهره هو استبداد الحكومات، ودواء الاستبداد السياسي هو الشورى الدستورية، هذا ما ذكره الكواكبي في مطلع كتابه وهذا ما عمل على توضيحه وتفصيله تفصيلاً متقناً وممنهجاً.
يعاني عوام الشعب المظلوم من التواكل والجهل وفقد للهمم وانشغال تام بحياتهم البهيمية البدائية والتي تكون بعيدة كل البعد عن الحرية الفكرية والأخلاقية، ولكنك تجدهم حريصين كل الحرص عليها لأنهم لا يعرفون غيرها ولم يذوقوا نعيم المجد بعد.
هناك قاعدة تقول “نحن لا نولد مواطنين، لكن ما بين لحظة الولادة ولحظة تسجيل الولادة وربطك بحبل المواطنة بالدولة، فترة قصيرة من الحرية، لا تتذكرها حتى ”
على هذا الحال نحن مرتبطون بالدولة، ونحن مرتبطون بالتعامل معها كمواطنين ضمنها بغض النظر عن كيفية ممارستنا لتلك المواطنة بشكل فعلي او غير فعلي فنحن مجبرون …
أهمية المواطنة:
تبرز المواطنة أهميتها من خلال إسهاماتها في تحقيق التقدم الحضاري للمجتمع الإنساني بشكل عام، وتعزيز قيم الديمقراطية بين الشعوب، وفهم الحقوق والواجبات، ونشر العدالة والمساواة. وعلى الرغم من اختلاف الأفراد في اللون، أو اللغة، أو الانتماء الديني والفكري داخل الدولة الواحدة، فإن هذا الاختلاف ليس عائقًا بل عنصر مطلوب، إذ أن الاعتراف بالتنوع بين أفراد المجتمع يعزز ممارسة قيم المواطنة، فحتى مع وجود اختلافات ضمنية بين الأفراد، لا يوجد فرق في الحقوق والواجبات بينهم.
مفهوم المواطنة:
فالمواطنة تعرّف بأنها مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي (دولة)، ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول (المواطن) الولاء، ويتولى الطرف الثاني (الدولة) الحماية، وتتحدد هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق أنظمة الحكم القائمة, وإذا أخذنا بالمفهوم الإصطلاحي فانه يشير إلى مساهمة الأفراد في إدارة الشؤون السياسية للدولة عن طريق المشاركة في صياغة القرارات والأحكام التنظيمية.
وفي المفهوم الاصطلاحي، تشير المواطنة إلى مساهمة الأفراد في إدارة الشؤون السياسية للدولة، من خلال المشاركة في صياغة القرارات والقوانين التنظيمية. وليست المواطنة صفة فطرية يمتلكها الفرد بمجرد وجوده، بل هي صفة مكتسبة تتوقف على عدة مؤشرات، منها السياسي والاقتصادي ومؤشر الولادة والحقوق، إلا أن الأهم بينها هو الانتماء إلى الوطن، فالانتماء للوطن هو الحقل العام الذي تُمارس فيه المواطنة، ولا وجود لمواطنة دون وطن، فهي علاقة ولاء للسلطة السياسية مع حق الحماية من هذه السلطة، بما يشمل حماية المواطن حتى خارج وطنه.
كما أنها تتضمن المشاركة في الحياة السياسية وممارسة الحقوق المدنيةً واستناداً إلى نظرية “الواحة والصحراء” عند حنة أرنت، لا مكان للمواطنة في الصحراء أو الكهوف، بل تكون في الفضاء العام الفاعل، حيث يشارك الأفراد في قضايا تتجاوز رغباتهم الشخصية ومصالحهم الفردية.
بمعنى آخر، المواطنة هي سبيل الفرد للخروج من أنانيته وعزلته، وجسر للتواصل والتفاعل مع الواقع الإنساني المحيط به، والانخراط ضمن “نحن” المواطنة المشتركة.
المقومات الأساسية للمواطنة الفاعلة:
1 – العنصر القانوني: يمثل الإطار الذي يحدد العلاقة بين المواطن والدولة على أساس واضح من الحقوق والواجبات، فعندما يكون هذا العنصر موجوداً ومفعلاً تصبح العلاقة بين المواطن والدولة متوازنة وعادلة، حيث يعرف كل فرد ما له من حقوق وما عليه من واجبات. وهذا التوازن هو حجر الأساس في بناء مجتمع مستقر قائم على العدالة وسيادة القانون
2-العنصر المعنوي: فهو العامل الذي يغرس في نفوس الأفراد شعور الانتماء للوطن والارتباط بالدولة، ويتجلى في اعتزازهم بهويتهم الوطنية ورغبتهم الصادقة في خدمة وطنهم، هذا الشعور بالانتماء لا يمكن فرضه بالقوانين، بل ينمو من خلال الإحساس بالعدالة والتقدير والمشاركة الفعلية في صنع القرار، مما يعمق الثقة بين الدولة والمواطنين.
3-العنصر السلوكي: وهو العامل الذي يأتي عندما يتحقق العنصران القانوني والمعنوي معاً، يظهر هنا العنصر السلوكي بشكل طبيعي في سلوك الأفراد، عندها يبدأ المواطنون في ممارسة أفعال تعبر عن حبهم للوطن، ويتحملون مسؤولياتهم تجاه المجتمع، من المشاركة في العمل العام إلى الحفاظ على المصلحة العامة والتعاون في بناء الوطن، وبذلك تتحول المواطنة من مجرد شعور داخلي إلى سلوك يومي يعكس روح المسؤولية المجتمعية
واستنادًا لما ذكره الكواكبي، فإن انعدام المواطنة أو ما يُسمى بـ”الاستبداد” يقلب الحقائق في أذهان الناس، فيتوهَّمون أن طالب الحق فاجر، وأن تارك حقه مطيع، وأن الشخص المتظلم مفسد، بينما الشخص الحذر المدقق ملحد، والخامل المسكين صالح.
كما تتحول القيم الأخلاقية: فيصبح النصح فضولاً والغيرة عداوة، والشهامة اعتداء، والحمية حماقة، والرحمة مرضا، وينظر أيضاً إلى النفاق كسياسة، والتحايل كدهاء، والدناءة لطفاً، والنذالة دماثة.
إذا عدنا إلى الأصل، نجد أن المواطنة هي إحدى مبادئ الحضارة الإسلامية، كما أنها تتضمن عنصراً وجدانياً يعكس الانتماء الشعوري، وعنصراً سلوكياً يظهر في الالتزام بالواجبات وممارسة الحقوق المستحقة للفرد.
إن المواطنة تنطبق على الجميع، كما أكّد القرآن الكريم والسنة النبوية قبل أي قانون، فهي ليست مرتبطة فقط بالانتماء للأمة المسلمة، بل تشمل كل من يعيش في الوطن، وتشمل المسلمين وغيرهم على حد سواء، إذ يؤكد القرآن على أهمية الشعور بالانتماء للوطن الذي نقطنه، وهو شعور نفتقده في كثير من الأحيان.
إلا أن شعور الانتماء من المنظور النفسي وحده لا يكفي للدفاع عن الوطن، فهو لا يمنحنا الحالة المعنوية الضرورية التي تدعم الالتزام الفعلي تجاه حماية الوطن والمجتمع.
وكما يقول جورج أورويل:
“ركزوا انظاركم على هذا الهدف المنشود يا رفاق حتى النفس الأخير من حياتكم القصيرة وعليكم أن تنقلوا رسالتي هذه للأجيال القادمة حتى نصل بأهدافنا الى النصر وواصلوا الجهاد بعزيمة لا تلين وعليكم الأ تتفرقوا في سراديب الخلافات المذهبية”..
ومع هذه الحياة التعيسة التي نعيشها، لا يسمح لنا البشر بالاستمرار فيها حتى نهايتها الطبيعية، فالثورات قد تبدأ بأهداف نبيلة وتطلعات مشروعة، ولكن عند نجاحها قد ينحرف مسارها لتصب في صالح أشخاص ماكرين، ويبقى المتضرر الأكبر هو الشعب، الذي يظل راضياص بالأوهام وغير قادر على التفكير الحر أو التعبير عن رأيه.
“فإن لم تحسن أمة سياسة نفسها؛ أذلها الله لأمة أخرى تحكمها، ومتى بلغت أمة رشدها، وعرفت بالحرية قدرها، استرجعت عزها”
ولذلك علينا أن نضمن وجود المواطنة وحماية حقوقها، فبدون حماية الحقوق لا يمكن للمواطنة أن تتجسد، فلا يمكن تحقيق التطور العمراني للبلد قبل بناء الإنسان نفسه، إذ يجب أن يكون حراً ومسؤولاً، قادراً على تأمين حقوقه في وطنه، ليتمكن من ممارسة عمله وولائه وإبداعه بشكل كامل.
المصادر:
- مقالة (المواطنة المفهوم والممارسة)
- رواية مزرعة الحيوانات
- كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
- مقالات المواطنة في الإسلام
https://www.manhal.net/art/s/22842
- كتاب العلوم السياسية مقدمة أساسية
file:///C:/Users/AFAQ/Downloads/Telegram%20Desktop