مفاتيح التفاهم الأمني في الجنوب السوري بين محددات الحكومة السورية و مصالح الدول الاقطاب في العالم الجديد …

منذ اليوم الأول لسقوط النظام لم تكف إسرائيل عن محاولات الاعتداء والتوغل والعربدة داخل الحدود السورية

متجاوزة كل الحدود والاتفاقيات و القوانين الدولية …

 

في وقت تحاول فيه سوريا تضميد الجراح، ومعالجة ما خلفه النظام البائد من حروب ودمار وأزمات اقتصادية ونفسية ومجتمعية أثقلت جانب الحكومة والشعب الذي ينادي بالحرية والكرامة والعيش الكريم ويطالب بفرض السيادة على كامل الجغرافيا السورية و فرض سيادة القانون وتحقيق العدالة الانتقالية…

 

وسط حالة من الاستقرار النسبي نوعا ما، ومحاولات حكومية متواصلة لتحقيق السلم الأهلي والحدّ من خطاب الكراهية….

 

فالمرحلة الانتقالية تقترب من نهاية العام الأول ،مرحلة اتضحت فيها معالم السياسة السورية داخليا وخارجيا، فبين الحفاظ على سيادة سوريا وأراضيها وفرض سلطة الدولة والقانون وتبني سياسية خارجية دبلوماسية هادئة متوازنة مع جميع الدول على أساس الاحترام والثقة والتعاون المتبادل وحسن الجوار والمصالح المشتركة، تدرك سوريا أن من يملك ملف الجنوب يملك سوريا وتضمن فيه الاستقرار الأمني والعسكري والسياسي…

 

لذلك ما يزال ملف التفاهم الأمني والمنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا من أكثر الملفات أهمية وحساسية وغموضا، وكل التحركات السورية الداخلية والخارجية تتمحور حول هذا الملف الهام أمنيا وسياسيا..

 

فالتوصل لإتفاق يضمن حقوق ومصالح وسيادة سوريا وفق العودة لاتفاق وقف إطلاق النار عام ١٩٧٤ دون التنازل عن شبر واحد من الأراضي السورية ،سيؤدي إلي سيطرة حكومية على كامل الدولة ويشكل مقدمة لحل باقي الملفات الداخلية مثل حالة الاستعصاء السياسي والأمني في السويداء ويساعد بشكل كبير بحل موضوع تنظيم قسد ويضبط الوضع الأمني في الساحل …و هذا الاستقرار سيكون بوابة لإعادة الأعمار والاستثمار وتحقيق الأزدهار الاقتصادي ويعزز مسيرة بناء الدولة السورية الجديدة…

 

الاتفاق مر بمراحل مختلفة وشهدت مفاوضاته عدة أحداث بلغت شدتها عند استهداف إسرائيل لهيئة الأركان وسط العاصمة دمشق واستهداف محيط القصر الجمهوري ….

 

في رسالة واضحة أن إسرائيل تريد إضعاف الدولة السورية وضرب كل مقدراتها العسكرية الاستراتيجية …

 

والحصول على مكاسب أمنية على حساب سوريا بقضم أراض سورية جديدة بعد الخط العازل..

 

والحصول على سيطرة استراتيجية على موارد هامة مثل منابع المياه والسيطرة على نقاط مراقبة عسكرية مثل قمة جبل الشيخ الاستراتيجية ..

 

وسط حملات مداهمات واعتقالات متكررة يتعرض لها أهلنا في الجولان المحتل في ظل محاولات لتجريف أراضيهم الزراعية ومنعهم من ممارسات نشاطاتهم الحياتية عبر نشر حواجز لمنعهم من العمل والزراعة ورعي الأغنام مما يدفعهم للتهجير والنزوح …

 

واستفزازهم ودفعهم لعدم الثقة بالحكومة الجديدة على إظهارها بصورة العاجز في عدم القدرة على حمايتهم…

 

 

وسط هذه المعادلة الأمنية الجديدة تتغير مواقف الدول وتتفق وفق مصالحها الخاصة…

 

 

تركيا: تحاول دعم وتثبيت استقرار الحكومة السورية الجديدة و الاستفادة من شراكة استراتيجية مع الدولة السورية على جميع المستويات سياسيا وأمنيا وعسكريا واقتصاديا وضمان عدم تشكيل تهديد أمني انفصالي شمال سوريا…

 

بالمقابل تريد تجنب المواجهة مع إسرائيل بما يتعلق بالجنوب السوري وتحاول الضغط على روسيا لتدخل وتسيير دوريات شرطة عسكرية لمراقبة الحدود بين سوريا وإسرائيل مما يضمن كبح جماح إسرائيل والحد من اعتداءتها المتكررة …

 

أمريكا: تحاول عبر مبعوثها إلى سوريا السفير توماس باراك أن تتوسط بين إسرائيل وسوريا في عقد إتفاق أمني جديد، لكنه لم يرَ النور حتى الآن لإصرار إسرائيل على الاحتفاظ بمواقعها الجديدة الأمر الذي عقّدّ الموقف، و أيضا حين كرر الرئيس ترامب اعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل مما عقد ملف التفاوض بشكل أكبر …

 

كما تريد امريكا الحفاظ على مصالحها العسكرية والأمنية والسياسية في شمال شرق سوريا والاستفادة من حليفها تنظيم قسد كلاعب داخل سوريا في ضمان هذا الدور والوجود في ظل مزاعم مكافحة الإرهاب…

 

وتحاول أمريكا الاستفادة من استقرار سوريا لتحقيق بيئة للسلام والاستقرار وإبعاد الميليشيا الإيرانية والعراقية وحزب الله عن حدود إسرائيل …

والحصول على مكاسب استثمارية في سوريا على حساب مشروع النقوذ الروسي الصيني والإيراني، ومحاولة الضغط على سوريا للقبول بعقد معاهدة سلام مع إسرائيل …

 

الاتحاد الأوربي: ينظر الاتحاد  للحكومة المؤقتة بمنظور مراقبة ومتابعة ودعم نسبي، مستخدما أسلوب رفع العقوبات المشروط …

 

ويؤكد الاتحاد رغبته بتحقيق العدالة الانتقاليةن وضمان أمن وسلامة سوريا، وتشكيل وحث القيادة الحالية على تشكيل حكومة تضم جميع الشرائح والمكونات، مع رغبة للمشاركة باعادة الأعمار … وسط تصريحات إدانة متواصلة لسلوك إسرائيل ومطالبة لها بالالتزام بقرار وقف إطلاق النار عام ١٩٧٤..

 

روسيا: تريد موسكو عبر قواعدها العسكرية الحفاظ على موطئ قدم على الساحل السوري وضمان دور سياسي وأمني في المنطقة وتريد ضمان مكافحه الإرهاب وحفظ مصالحها

التاريخية في سوريا والحصول على مكاسب في الاقتصاد والاستثمار مقابل ضمان عقود التسليح للجيش العربي السوري الجديد ودعم الحكومة السورية الجديدة سياسيا ..

ومن الممكن أن يكون لها دور في ضبط الحدود بين سوريا وإسرائيل عبر دوريات مراقبة وان تلعب كوسيط موثوق بين الطرفين …

 

الصين: تريد بكين معالجة ملف المقاتلين الإيغورز داخل سوريا وتريد مساعدة سوريا في المجال الاقتصادي والأمني والحصول على الاستثمار والصناعة، وتقديم دعم لسوريا في إعادة الإعمار … وسط إدانة صينيه للانتهاكات الإسرائلية المتكررة، ومحاولة للضغط على إسرائيل عبر التلويح بدعم أكبر لسوريا أمنيا وعسكريا كورقة ضغط على خلفية السلوك الإسرائيلي الأخير في التعاون مع تايوان وتسليحها دفاعيا ….

 

 

أما بالنسبة للدول العربيه مثل الأردن والسعودية ومصر
تريد هذه الدول الحفاظ على استقرار سوريا السياسي والأمني والاقتصادي وضمان العدالة الانتقالية ..

 

والتأكيد على مكافحة التهريب وخصوصا تجارة المخدرات وضمان مكافحة الإرهاب وتحقق السلم الأهلي ونجاح العمليه الانتقاليه خصوصا بعد عودة سوريا إلى الحاضنة العربية بعد زوال النقوذ الإيراني داخل سوريا …

 

ودعم سوريا عبر برامج تدريبية وتأهيليه للقوى الأمنية والعسكرية ودعم الجيش السوري الجديد ….

وسط تاكيد الاستنكار والإدانه للانتهاكات الإسرائيلية المستمرة والضغط سياسيا و دبلوماسيا للالتزام بقرار وقف اطلاق النار عام ١٩٧٤…

 

بين كل هذه المعطيات والمحددات والمصالح، تحاول الحكومة السورية الجديدة أن تستند على ثلاث مرتكزات اساسية:

 

اولا :قرارات الشرعية الدولية

وثانيا : الدعم الدبلوماسي الدولي والضغط السياسي

وثالثا وهو الأهم : الشعب السوري الذي يقف خلف حكومته متمسكا بأرضه وسيادة بلده …

 

فأي تفاهم أمني جديد لابد أن يكون كما يريد الشعب السوري وكما يناسب مصالح الحكومة السورية، التي تعرف تماما ذلك الشعب الذي سيضحي كثيرا حفاظا على تراب وطنه…

شارك المقال :

فيسبوك
واتسأب
تلجرام
اكس (تويتر)

مقالات قد تعجبك :

تتنقّل سورية بعد سقوط الديكتاتورية الاقتصادية بين إرث كينزية مشوّهة وهيمنة شبكات الحرب، بينما تحاول الدولة اليوم بناء اقتصاد نيوليبرالي…
مع تصاعد الإصلاحات التشريعية والانفتاح الدبلوماسي، تستعيد سوريا موقعها على الخريطة الدولية بثبات جديد ورؤية أكثر نضجاً، مرحلة انتقالية واعدة…
تمكين الشباب السوري هو ركيزة أساسية لإعادة البناء والتنمية، عبر دعمهم اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا، بما يعزز الاقتصاد المحلي والتماسك الاجتماعي…

القائمة