التشبيح في الحرم الجامعي السوري: هدم لأسس التعليم
لطالما اعتُبرت الجامعات منارات للعلم والنزاهة، لكن في سوريا، تحوّلت بعض أروقة المؤسسات التعليمية العليا إلى بيئة خصبة لمظاهر التشبيح الإداري والأكاديمي. إن مصطلح “التشبيح” في هذا السياق يتجاوز المعنى الأمني ليشمل ممارسات الفساد، الاستغلال، والتنمر السلطوي الذي يمارسه بعض عمداء الكليات والأساتذة المتنفذين، مما يهدد مستقبل الأجيال ويُضعف مصداقية التعليم العالي.
طبيعة التشبيح الإداري والأكاديمي:
تتجلى ظاهرة “تشبيح العمداء” والمسؤولين الجامعيين بعدة أشكال، أبرزها:
الفساد المالي والأكاديمي: حيث تُحوّل بعض المقررات الدراسية إلى مصدر دخل شخصي من خلال فرض الدروس الخصوصية على الطلاب لضمان النجاح، أو المطالبة بالهدايا والرشاوى مقابل علامات مرتفعة أو خدمات إدارية (مثل نقل القيد، أو تزوير الشهادات في بعض الحالات الخطيرة).
التسلط واستغلال النفوذ: يستخدم بعض العمداء سلطتهم بشكل تعسفي لفرض القرارات، وتهميش الكفاءات، وتعيين المقربين (الواسطة والمحسوبية) بدلاً من تطبيق معايير الأهلية والشفافية في التعيينات والترقيات الأكاديمية.
الابتزاز المعنوي والأمني: في بيئة جامعية سابقة كانت تخضع لرقابة أمنية مشددة، كان التهديد بالفصل أو الرسوب أو الإجراءات الأمنية أداة قوية لإجبار الطلاب والأكاديميين على الصمت أو الانصياع، ما يقضي على أي مساحة للنقد أو التعبير الحر.
إن هذه الممارسات جعلت الطالب والأكاديمي الحلقة الأضعف، وأصبح النجاح محكوماً بالواسطة والقدرة المادية بدلاً من الجهد العلمي الحقيقي.
آليات التعامل والمحاسبة:
مع التحول الذي تشهده سوريا حالياً، تبرز ضرورة إرساء آليات فعالة لمكافحة هذا الفساد الإداري والأكاديمي:
التحقيقات والرقابة المستقلة:
يجب تفعيل دور الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش وإعطائها صلاحيات أوسع للتدقيق في القرارات الإدارية والمالية والأكاديمية للعمداء ورؤساء الجامعات.
فتح تحقيقات فورية في ملفات الفساد الأكاديمي الكبرى (كتزوير الشهادات) التي جرت في العهود السابقة، ومحاسبة المتورطين بصرف النظر عن مناصبهم.
إصلاح الإطار القانوني:
مراجعة قانون تنظيم الجامعات واللوائح التنفيذية لضمان وجود آليات واضحة لتقييم الأداء الإداري والأكاديمي للعمداء.
تفعيل نظام التظلمات والشكاوى الآمن للطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية، يضمن عدم تعرض المشتكي لأي إجراءات انتقامية.
الشفافية في التعيين والإدارة:
يجب أن تكون عملية تعيين العمداء قائمة على الكفاءة العلمية والنزاهة الإدارية وبعيدة عن المحاصصة أو الولاءات الشخصية.
ضرورة أتمتة العمليات الإدارية المتعلقة بعلامات الطلاب ونقل القيود لمنع التلاعب البشري في نتائج الامتحانات.
تعزيز الدور الطلابي والنقابي:
منح المجالس الطلابية والنقابات الأكاديمية دوراً حقيقياً في الرقابة والمشاركة في صنع القرار، وتحويلهم إلى صوت فاعل ضد أي تجاوزات.
إن مكافحة “التشبيح” في الجامعات ليست مجرد مسألة محاسبة شخصية، بل هي ضرورة وطنية لإعادة بناء الثقة في المؤسسات التعليمية، وضمان أن يكون التعليم العالي رافعة حقيقية لنهوض المجتمع السوري.