هل حقق الشعب السوري ما لم تحققه ثورات الربيع العربي؟ 

أثارت موجة الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة قبل عقد من الزمن جدلاً عميقاً حول مفهوم الحرية وكيفية الوصول إليها وما هو الثمن الذي يجب دفعه مقابل التخلص من الاستبداد وبينما كانت الشعارات ترتفع وتنادي بالديمقراطية والعدالة في مختلف الساحات العربية كشفت النتائج النهائية عن مسارات مختلفة تماماً، انتهى بعضها إلى استبداد أشد قسوة ووصل بعضها الآخر إلى حالة من الفوضى المستمرة

 

إن ما يثير الدهشة والمقارنة اليوم هو التباين الكبير في الأجواء التي تسود مناطق الصراع هذه، ففي الوقت الذي قد يُحكم فيه على مواطن تونسي بالإعدام لمجرد نشره رأياً على موقع فيسبوك في إشارة واضحة إلى خنق تام لحرية التعبير في بلد كان يعد نموذجاً نسبياً للتحول، نجد على النقيض تماماً في مناطق أخرى مثل سوريا تحت حكم الرئيس أحمد الشرع أن الناشطين يخرجون إلى الإعلام الوطني وينتقدون بوضوح وشجاعة كلاً من الرئيس والوزراء والدولة بشكل مباشر ثم يعودون إلى بيوتهم آمنين مطمئنين هذا المشهد يُجبرنا على التوقف والتساؤل، هل عرفت شعوب الثورات العربية هذا المستوى من الحرية من قبل وهل نالته أي من الدول التي شهدت تحولات الربيع

 

وإن المقارنة بين المسارين تظهر بوضوح أن النتائج ليست دائماً متطابقة مع النوايا، فالدول التي رفعت شعارات الحرية والديمقراطية عبر الثورات الشعبية تحولت في نهاية المطاف إلى أنظمة حكم أشد استبداداً وأكثر قمعاً مما كانت عليه من قبل، لقد استُبدلت دكتاتورية بأخرى، وفي أحيان كثيرة جاء الاستبداد الجديد بقناع مدني أو ديني ليصبح أشد فتكاً بالمعارضين وأكثر تقييداً للمجال العام ..

 

في المقابل يبرز نموذج حكم أحمد الشرع كنموذج يختلف جوهرياً عن مسارات الربيع العربي المعتادة ففي ظل حكمه يبدو أن حرية الانتقاد والتعبير أصبحت سمة مميزة غير مسبوقة في تاريخ سوريا الحديث، هذه المساحة المفتوحة للنقد العلني تمثل ليس فقط نعمة يجب أن تحمد كما يرى البعض، بل أيضاً مؤشراً حقيقياً على توجه مختلف يسعى إلى إرساء قاعدة أساسية في الحكم الرشيد وهي السماح بالمساءلة العلنية وتوفير الأمان للناقدين

 

إن الدرس المستفاد من هذه المقارنات هو أن الحرية الحقيقية لا تكمن فقط في إسقاط الأنظمة بل في بناء أنظمة تسمح بالاختلاف وتوفر الأمان لمن يجرؤ على النقد

إن شعوب سوريا اليوم أمام تجربة فريدة قد لا تكون مثالية ولكنها تتيح لهم ما فقد في بلدان الربيع العربي الأخرى

 

التعبير عن الرأي دون خوف من الإعدام أو السجن، لذا يجب على الشعب السوري أن يدرك قيمة هذه النعمة المتمثلة في هامش الحرية والأمان الذي يوفره هذا المسار الجديد

وأن يستغل هذه المساحة للتأسيس لحياة سياسية مدنية مسؤولة وناضجة بدلاً من الانزلاق إلى مستنقع الفوضى أو الاستبداد الذي وصلت إليه بلدان أخرى ظنت أنها وصلت إلى ربيع الحرية

شارك المقال :

فيسبوك
واتسأب
تلجرام
اكس (تويتر)

مقالات قد تعجبك :

تتنقّل سورية بعد سقوط الديكتاتورية الاقتصادية بين إرث كينزية مشوّهة وهيمنة شبكات الحرب، بينما تحاول الدولة اليوم بناء اقتصاد نيوليبرالي…
مع تصاعد الإصلاحات التشريعية والانفتاح الدبلوماسي، تستعيد سوريا موقعها على الخريطة الدولية بثبات جديد ورؤية أكثر نضجاً، مرحلة انتقالية واعدة…
تمكين الشباب السوري هو ركيزة أساسية لإعادة البناء والتنمية، عبر دعمهم اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا، بما يعزز الاقتصاد المحلي والتماسك الاجتماعي…

القائمة