عضوية مجلس الشعب بين شهوة المكانة الاجتماعية وعِظَم المسؤولية

لا شك أن الترشح لعضوية مجلس الشعب يمثل حلمًا يراود الكثيرين؛ فهو يمنح صاحبه مكانة اجتماعية مرموقة، وصوتًا مسموعًا في المجتمع، ونافذة للتأثير على القرارات والسياسات،

إلا أن هذه المكانة ليست مجرد لقب أو امتياز، بل هي تكليف ثقيل ومسؤولية عظيمة تُحمّل صاحبها أمانة تمثيل الشعب وخدمة مصالحه.

 

شهوة المكانة الاجتماعية

 

إن الطموح للتميز والرغبة في الحصول على تقدير المجتمع أمر فطري في الإنسان. ولكن عندما يكون هذا الطموح هو الدافع الوحيد وراء الترشح لمجلس الشعب، فإن النتيجة قد تكون

كارثية. فالسعي وراء المكانة الاجتماعية فقط، دون فهم طبيعة المهمة ودون الالتزام بخدمة الشعب، يؤدي إلى تحويل العضوية إلى منصب شرفي فارغ المحتوى، لا يحقق الهدف

الأساسي من وجوده.

 

بعض المترشحين يرون في هذا المنصب وسيلة لتحقيق أهداف شخصية، سواء كانت مالية أو اجتماعية أو سياسية. وقد ينتج عن هذا النهج استخدام وسائل غير مشروعة للوصول إلى

المجلس، مثل شراء الأصوات أو استغلال النفوذ، وهو ما يضر بالنظام الديمقراطي ويؤدي إلى تهميش القضايا الحقيقية التي تهم المواطنين.

 

عِظَم المسؤولية

عضوية مجلس الشعب ليست مجرد حضور اجتماعات والتقاط الصور. إنها مسؤولية وطنية تتطلب:

 

تمثيل مصالح الشعب: العضو في المجلس هو صوت المواطنين الذين انتخبوه، وعليه أن ينقل همومهم وآمالهم بصدق وشفافية. هذا يتطلب من العضو أن يبقى على اتصال دائم

بقواعده الانتخابية، وأن يفهم أولوياتهم بشكل صحيح.

 

التشريع: المساهمة في وضع القوانين التي تنظم شؤون الدولة وتؤثر على حياة الناس. هذه العملية تحتاج إلى إلمام واسع بالقوانين الموجودة، ودراسة معمّقة لكل مقترح قانوني

جديد لتقييم تأثيره على المجتمع.

 

الرقابة: متابعة أداء الحكومة ومساءلتها عند التقصير. فالعضو يحمل على عاتقه أمانة الرقابة على تنفيذ السياسات العامة وضمان أن الموارد تُستخدم بكفاءة وشفافية.

 

التواصل مع المواطنين: العضو لا يمثل نفسه، بل يمثل دائرة انتخابية تضم آلاف المواطنين. عليه أن يبقى قريبًا منهم، يسمع مطالبهم ويعمل على تحقيقها. كذلك، عليه أن يشرح

للمواطنين السياسات والقرارات التي يتخذها المجلس، ليضمن تأييدهم وثقتهم.

 

العمل على المصلحة العامة: العضو مطالب باتخاذ قرارات تتجاوز المصلحة الشخصية أو الحزبية، والتركيز على الخير العام. هذا يتطلب شجاعة وحيادًا في مواجهة الضغوط المختلفة.

 

أهمية الصوت البرلماني وفاعليته

 

إن مقعد مجلس الشعب ليس رقمًا شكليًا، بل هو صوت فعّال وذراع تشريعي ورقابي ينعكس أثره على حياة المواطنين اليومية. ولو تأملنا الأمر من زاوية الأرقام، لوجدنا أن تعطّل عدد

قليل من الأعضاء عن أداء واجباتهم بكفاءة قد ينعكس سلبًا على أداء المجلس بأكمله.

فمثلًا، إذا كان عدد أعضاء مجلس الشعب 150 عضوًا، وكان منهم 20 عضوًا غير أكفاء، فإن ذلك يعني أن حوالي 13% إلى 15% من طاقة المجلس معطّلة أو غير مستثمرة لخدمة

الشعب. وكلما زاد عدد الأعضاء غير الفاعلين، تقلّصت قدرة المجلس على التشريع الجيد، وضعفت الرقابة، واهتزّ صوت الشعب الذي يمثّله هذا المجلس.

 

لذلك، فإن عضوية مجلس الشعب هي أمانة عظيمة وثقيلة، يجب أن يحملها من يستطيع أداءها بحقّ، بعلمٍ ونزاهةٍ وصدقٍ وإخلاصٍ. كما أدعو من يحالفه الحظ في نيل ثقة الشعب أن

يسدده الله ويرشده لما فيه الخير لوطنه ومواطنيه.

 

النضج الشعبي وأهمية حسن الاختيار:

 

إن نجاح عضوية مجلس الشعب لا يعتمد على كفاءة المرشح وحده، بل يحتاج أيضًا إلى وعيٍ شعبي ناضج يختار من يمثّله بصدق. إن الشعب الواعي هو الذي يُحسن اختيار صوته

البرلماني، فيقدّم من يملك النزاهة والعلم والقدرة على حمل الأمانة، بعيدًا عن الاعتبارات الشخصية أو الفئوية. فكلما كان الناخب أكثر إدراكًا لدوره ومسؤوليته، زادت فرص وصول الأكفاء

إلى المجلس، وارتفع مستوى الأداء التشريعي والرقابي بما يحقق مصالح الوطن والمواطنين.

 

التحديات التي تواجه عضو مجلس الشعب:

 

أن تكون عضوًا في مجلس الشعب يعني مواجهة العديد من التحديات، ومنها:

 

التوازن بين المصالح المختلفة: في كثير من الأحيان، تتعارض مصالح الأفراد أو الفئات المختلفة. على العضو أن يتخذ قرارات تحقق أكبر قدر من العدالة.

 

ضغوط اللوبيات والمصالح الخاصة: قد يتعرض العضو لمحاولات تأثير من جهات مختلفة لتحقيق مكاسب خاصة على حساب المصلحة العامة.

 

التحديات الإعلامية: كل قرار أو تصريح قد يخضع لتقييم ونقد شديد من قبل الإعلام والجمهور.

 

التوازن المطلوب:

 

على من يطمح للترشح لمجلس الشعب أن يسأل نفسه بصدق: لماذا أريد هذا المنصب؟ هل أسعى لخدمة شعبي؟ أم أنني أبحث عن الشهرة والمكانة الاجتماعية؟

إذا كان الهدف هو خدمة الوطن والمواطن، فإن الطريق إلى النجاح يتطلب:

 

 الاستعداد العلمي والمعرفي: الإلمام بالقوانين والتشريعات والأنظمة.

 القدرة على التواصل الفعّال: فهم احتياجات الناس والتفاعل معهم.

 الالتزام بالقيم الأخلاقية: النزاهة والشفافية في العمل.

 التعاون مع الزملاء: العمل داخل المجلس يتطلب القدرة على التعاون مع الأعضاء الآخرين، بغض النظر عن الانتماءات السياسية.

 الإصرار على التغيير الإيجابي: لا يمكن تحقيق التحسينات المطلوبة إلا بالإرادة والعمل الجاد.

 

أمثلة واقعية:

 

التاريخ مليء بأمثلة لأعضاء برلمانيين تركوا بصمات إيجابية بفضل تفانيهم وإخلاصهم في العمل. نذكر منهم:

 

مهاتير محمد (ماليزيا): رغم أنه رئيس وزراء، إلا أن مسيرته البرلمانية أكدت أهمية ربط التنمية بمصالح الشعب، مما جعل ماليزيا نموذجًا في التطور الاقتصادي.
والأمثلة المشابهة كثيرة

 

وفي الختام:

 

إن عضوية مجلس الشعب مسؤولية عظيمة لا يجب أن تكون حكرًا على من يبحث عن الألقاب والمناصب. بل هي فرصة لخدمة الوطن وإحداث التغيير الإيجابي في حياة الناس. لذلك، على كل من يفكر في الترشح أن يُدرك حجم الأمانة الملقاة على عاتقه، وأن يستعد لها بجدية وإخلاص. فالمجالس النيابية القوية لا تُبنى بالوجاهة الاجتماعية، بل بالعطاء والتفاني من أجل مصلحة الشعب. وفي النهاية، يبقى الشعب هو الحكم الذي يقرر من يستحق أن يمثّله ويكون صوته الحقيقي.

شارك المقال :

فيسبوك
واتسأب
تلجرام
اكس (تويتر)

مقالات قد تعجبك :

عقد مركز سوريا للدراسات والتنمية ندوة حوارية بعنوان “الموقف الأمريكي تجاه سوريا في ظل خطاب الرئيس السوري في الأمم المتحدة”…
التعصب القومي جدار عازل يُطفئ نور الأمة ويبعثر قوتها، أما العقيدة الجامعة فهي الجسر الذي يوحّد تنوعها ويُشعل حضارتها من…
تصعد تركيا ضد إسرائيل عبر مقاطعة تجارية ودبلوماسية نشطة ودعم قانوني دولي، كما تعزز نفوذها الإنساني والجيوسياسي وتدفع نحو إقامة…

القائمة