ماتزال سوريا في مرحلة انتقالية وفي مشوار سياسي طويل وفي خضم هذه المرحلة الحساسة تتجهز التيارات و الحركات السياسية والاجتماعية والثقافية للدخول في معترك الحياة السياسية الجديدة ، وسط ترقب وانتظار لصدور قانون الأحزاب الذي سينظيم الحياة السياسية السورية، قانون سيقره البرلمان السوري الجديد حال انعقاد مجلسه التشريعي الأول و المنتخب بعد سقوط النظام وانتصار الثورة …
شكل انتصار الثورة السورية فرصه لإعادة بناء دولة جديده وإعادة رسم صورة الحياة السياسية داخل سوريا
صورة سياسيه ترغب جميع التيارات والحركات الأحزاب بالمشاركة فيها وبقوة لإعادة الحياة السياسية السوريه إلى ما كانت عليه منذ أكثر من ستين سنة ..
حياة سياسيه كانت تجربة مثالية في برلمان حقيقي خلال فترة الخمسينات من القرن الماضي شارك فيها جميع الأحزاب والحركات والتجمعات قبل حدوث انقلاب حزب البعث البائد والدخول في مرحلة الاستبداد والدكتاتورية…
أما اليوم أعلنت جماعه الاخوان المسلمين في سوريا وفق بيان نشرته، يوم السبت 18 من تشرين الأول، اعتبرت فيه أن ما تحتاجه سوريا اليوم لضمان مصالحها المشتركة هو “عيش مشترك”، بحيث لا يَحجرُ أحد على أحد ولا يستقوي مكون سوري بدولة خارجية على دولته للحفاظ على مصالحه.
حيث طرحت الجماعة من خلال “ورقة” تصورها لأسس تراها ضرورية لبناء عيش مشترك يهدف إلى تعزيز التفاهم والسلام بين مختلف أفراد المجتمع ومكوناته، ويعيد لسوريا “صورتها العالمية المشرقة”، ويلم السوريين بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية، معتبرة أن “إرادة العيش المشترك” شرط لبناء المجتمعات المستقرة والمتماسكة.
وفق أسس شرعية اهمها احترام الآخر، والاعتراف به، والتعامل معه…
واهمية تحقيق العدالة التي تحدد الحقوق والواجبات تجاه الآخر، أيًا كان هذا الآخر…
والتعاون: إذ لا معنى لعيش مشترك في مجتمع ما، إذا لم يتعاون فيه الناس على تحقيق المصالح المشتركة…
اذ أن للدولة والحكومة دور في ترسيخ العيش المشترك، من خلال:
تأمين الإطار القانوني: لتوفير الأمن لكل مكونات النسيج السوري، ولحماية الحقوق والحريات في الدولة، ولحماية القيم كـ “العدالة الاجتماعية، والعدالة الاقتصادية، والعدالة الانتقالية” ولدعم سياسات المواطنة، وضبط التجاوزات .
بناء شراكات : لتعزيز السلم الأهلي والحوار الحقيقي بهدف تعزيز قيمة السلام وإيجاد تفاهم مشترك، سواء على مستوى الوزارات أو على مستوى الإدارات المحلية.
إطلاق مبادرات: لحوار وطني لتعزيز تفاهم مشترك حول قضايا المجتمع لتقوية النسيج الاجتماعي، وتوعية الأسر ومؤسسات التنشئة الأولى لزرع القيم الأساسية، ومبادرات إعلامية وفنية وثقافية هادفة وخادمة للحوار والتعايش…
المساهمة في بناء الهوية السورية المشتركة: تعدّ الهوية من أعقد المصطلحات، ….
كما ترى الجماعة أن هناك معايير لتقييم العيش المشترك، على اعتبار أن سوريا دولة ديمقراطية، وتؤسس لدولة تتبنى التعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، وفق مبدأ المواطنة، وسيادة القانون، وفصل السلطات.
وعددت مجموعة من القيم في هذا الصدد وأبرزها:
يكفل الدستور الحريات العامة والفردية، وحق تشكيل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ضمن القوانين الناظمة.
تحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة والعادلة في كافة المناطق السورية.
مهمّة الجيش الوطني الدفاع عن الوطن بحدوده المعترف بها دولياً ضد الاعتداءات الخارجية، ويحظر على أفراده التدخل في العمل السياسي، ويخضع في عمله للرقابة البرلمانية والمساءلة القضائية.
حرية الاعتقاد مصونة، ويكفلها القانون، الحرية الدينية للجميع،تجريم خطاب الكراهية والتحريض ..
يتمتع جميع السوريين بحق المشاركة السياسية الكاملة بناءً على الكفاءة ،حصر السلاح بيد الدولة..
التمكين المشروع للمرأة ورفض تهميش دورها، وكذلك تمكين الشباب والنهوض بدورهم.
تساوي أبناء الشعب السوري في الكرامة والحقوق والواجبات.
وختمت البيان في ان “التراضي والتطاوع” على مشتركات عبر الحوار للوصول إلى سلم أهلي مستدام، ومجتمع مستقر، هو “واجب لأهل الوعي من أبناء
المجتمع”..
مما سبق فإن هذا الطرح الجميل يتفق عليه معظم السوريون الذين يتطلعون لجمهورية جديدة قوية وديمقراطية تؤمن بالحرية والانسانية والعدالة وسيادة القانون ….
مما دفع البعض الى إعتبار البيان محاولة لاعادة التموضع السياسي للجماعة داخل المجتمع السوري ورد فعل غير رسمي على دعوة غير رسمية كانت على شكل تعليق للمستشار الإعلامي للرئيس السوري أحمد الشرع، المستشار أحمد موفق زيدان، خلال لقاء حواري على قناة الجزيرة دعاء فيه جماعة “الإخوان المسلمين” في سوريا لحل نفسها، معللًا ذلك بأنه “سيخدم البلد ويدفع أبناءه للانخراط في العمل الحكومي لتستفيد منه الدولة”.
ودعا المستشار الجماعة إلى أن تحذو طريق بعض الأجسام السياسية والمجتمعية، التي حلت نفسها بعد سقوط النظام السوري السابق، مثل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة” و”المجلس الإسلامي السوري”، إضافة إلى الفصائل العسكرية والمجالس المحلية.
في حين اعتبرت الجماعه كلام المستشار بمثابه رأي شخصي لا أكثر ،، في ظل تأكيد على توافق كبير لدعم أولويات الحكومة في المرحلة الحالية ك إحياء العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي وضرورة دعم ما تقوم به الحكومه الحالية من أولويات مثل ترسيخ الاستقرار والأمن الوطني وتعزيز السلم الأهلي ورفع مستوى المعيشة وتحسين الوضع الاقتصادي السوري و إعادة الخدمات وترميم المؤسسات وتطوير البنية التحتية…
و بهذا الإعلان تكون الجماعة قد وجهت ثلاث رسائل:
واحدة للداخل :أن التنظيم محافظ على انتمائه ووجوده ومبادئه المتجددة والمتوافقة مع فكرة بناء سوريه التعددية و المتنوعه ….
و رساله للحكومة المؤقتة : أن هناك توافق ودعم لجهود هذه الحكومة في إدارة المرحلة الانتقالية وتقديم الدعم المشترك والمتواصل لها ….ولا حاجه للخلاف والتوتر والنزاع فلا بد من تقليل المخاوف وتأكيد على فكرة الرفض لحل الجماعة …
و رساله للخارج :ان الجماعة موجودة سياسياً ولها امتداد فكري وتاريخي راسخ وحضور اجتماعي ودور سياسي واجتماعي …
لا ـحد يستطيع أن ينكر التاريخ النضالي لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا منذ تأسيسها في عام ١٩٤٧ حتى الوصول للمواجهة الاكبر مع الأسد الأب الذي ارتكب مجزرة حماة وما تلاها من أحكام اعدام واعتقالات وتهجير ثم التاريخ النضالي للجماعة عند العودة للمشاركة في الثورة السورية والآن بعد انتصار الثورة تبحث الجماعة عن نفسها من جديد ومن الواضح أنها من أسرع الأحزاب في القدرة على إعادة التشكيل والتنظيم بحكم الخبرة والممارسة السياسية الطويلة والتجارب في العهود السابقة استطاعت فيها الحفاظ على كيانها رغم ما عانت من الحظر والمراقبة والتضييق …
دور و نظال وصمود جماعة الإخوان المسلمين في مقارعة النظام البائد لا يقل عن معاناة باقي التيارات والأحزاب التي عارضت سياسة الأسد الأب والابن وكما عانى الشعب السوري الثائر أيضا من نظام شمولي سلطوي ديكتاتوري مجرم كابد فيه الجميع شتى اشكال الظلم والقتل والاعتقال والتشريد والتعذيب والتطريد …
ومن الواضح أن جماعه الاخوان المسلمين وغيرها من الاحزاب والتيارات تعتمد حاليا أسلوب التغلغل الفردي داخل أجهزة الحكومة ومؤسسات الدولة ومكونات المجتمع في محاولة للتحضير لمشوار سياسي ووطني وفعال في بناء الجمهورية الجديدة…
ويبقى السؤال مفتوحا هل ستنجح المرحلة الانتقالية في سوريا في نقل الشعب السوري لممارسة الحياه السياسية بكل ديمقراطية وحرية وكرامة وتعددية …
ام أن الخلافات الحزبية ستبدأ قبل أن تبدأ الحياة السياسية الحقيقة على الارض وتحت سيادة الدستور والقانون …
وهل ستنجح الحكومة المؤقته في التوفيق بين المصالح السياسية في الداخل والاعتبارات الإقليمية والدولية تجاه مشاركة الاسلام السياسي في الحياة السياسية في سوريا
سؤال يحتمل العديد من الإجابات بناء على اختلاف المتغيرات المتوقعة …
احتمالات كثيرة وسيناريوهات أكثر بانتظار ما تحمله الأيام والسنين القادمة ..