التجاذبات الإقليمية والدولية في منطقة شرق الفرات

الأهمية الاستراتيجية لشرق الفرات:

 

تعد منطقة شرق الفرات اليوم إحدى أكثر النقاط حساسية في الجغرافيا السورية، نظراً لثرواتها النفطية والزراعية وموقعها الاستراتيجي المتصل بالحدود العراقية والتركية، ولشرق الفرات وإشرافه على طريق إيران البري إلى لبنان، وأيضاً لتنوعه في التركيبة السكانيةن تنوع قومي وديني(عرب,أكراد,آشوريون..)

ومع التغير المفصلي في بنية الحكم في سوريا ووصول الرئيس أحمد الشرع إلى السلطة، تفتح صفحة جديدة في التعاطي مع هذه المنطقة، حيث تتقاطع فيها مصالح دولية وإقليمية تجعلها بؤرة صراع وصياغة محتملة لتوازنات جديدة في المنطقة

 

أولاً _ التحولات السياسية الداخلية:

 

تولي الرئيس أحمد الشرع قيادة البلاد يعكس مرحلة جديدة من الحكم قد تحمل سمات الانفتاح والتوازن بين القوى المحلية والدولية فهذه المرحلة تمنح الدولة فرصة لإعادة بسط سيادتها على كامل التراب السوري، لكن شرق الفرات يبقى عقدة معقدة بسبب النفوذ الأميركي، والتجارب الإدارية المحلية التي رسختها “قسد”، وأمام الحكومة السورية الجديدة خياران:

1_دمج القوى المحلية ضمن مشروع وطني جامع يضمن حقوق المكونات القومية والأثنية وهذا ماقد صرحت به الحكومة السورية في دمشق

2_ الرهان على تفاهمات دولية تعيد المنطقة تدريجياً لسلطة الدولة دون مواجهة مباشرة، مما قد تفتح الباب لصراع جديد وهذا ماتعول عليه الحكومة السورية بعيداً عن الصراع العسكري عن طريق تفاهمات أمريكية_تركية_عربية

 

ثانياً – البعد الدولي:

 

أمريكا: ستسعى الولايات المتحدة للحفاظ على وجودها العسكري كورقة ضغط في أي مفاوضات مع حكومة الشرع، خصوصاً في ملفات الإرهاب والطاقة، لكنها قد تنفتح على تفاهمات جديدة إذا لمست جدية في بناء نظام سياسي مستقر يقلل من فرص عودة الفوضى ولا سيما التعاون في ملفات حساسة (سجون داعش _ والعمل المشترك في مكافحة التنظيم)

 

روسيا: تنظر موسكو لهذا الوجود الأمريكي كعقبة أمام استكمال سيادة الحكومة السورية على كامل أراضيها، لذلك تعمل عبر أدواتها الدبلوماسية والعسكرية لتقليص الدور الأمريكي تدريجياً من خلال تنسيق موسع مع دمشق والعشائر العربية، وأحياناً عبر تفاهمات موضعية مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

لاحقاً روسيا سترحب بالتغيير وتدعم الرئيس أحمد الشرع بإعتباره شريكاً موثوقاً لإعادة تعزيز دور الدولة السورية، وفي شرق الفرات ستحاول لعب دور الوسيط بين دمشق و”قسد” لتقليص النفوذ الأميركي، لاسيما أن روسيا لديها قاعدة عسكرية في مطار القامشلي في مقابل ضمان بقاء قواعدها على البحر المتوسط

 

ثالثًا – البعد الإقليمي:

 

تركيا: تتعامل تركيا مع شرق الفرات كمنطقة أمن قومي من الدرجة الأولى, إذ تعتبر وجود قوات سوريا الديمقراطية (قسد) هناك تهديداً مباشراً لأمنها الداخلي بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني (PKK)، فهي تنظر بعين الريبة لأي صيغة تمنح الأكراد استقلالية أو قوة سياسية إضافية.

وفي المقابل قد تشكل الحكومة السورية الجديدة فرصة لبناء تفاهمات أمنية – سياسية جديدة مع أنقرة إذا التزمت بضمان أمن الحدود ونزع فتيل الخلاف حول “قسد”.
لاسيما أن هناك عمليات عسكرية تركية سابقة ضد تنظيم قسد (نبع السلام_درع الفرات)

إيران: ستواصل إيران العمل للحفاظ على نفوذها في محيط دير الزور والبوكمال، لكنها قد تجد نفسها أمام معادلة أكثر صرامة إذا ما تبنت القيادة الجديدة سياسة متوازنة بين المحاور
وفي الوقت نفسه تحاول إيران العمل على زعزعة الوضع في سوريا خاصة بعد خروجها من المشهد السوري وتحاول أن تبقي لها نفوذ في شرق الفرات عن طريق التعاون مع قسد لضمان طريقها البري إلى لبنان.

الدول العربية: ترى هذه الدول في وصول أحمد الشرع بداية عودة سوريا إلى الحضن العربي، ما يعني دفعاً قوياً نحو وحدة الأراضي السورية وإضعاف أي مشاريع تقسيم، خصوصاً في شرق الفرات فهي تحاول جاهدة عن طريق العمل الدبلوماسي بالتعاون مع تركيا والدولة السورية لإحتواء هذه التوترات الداعية للإنفصال عن الدولة السورية الوليدة.

إن التغير في الحكم ووصول الرئيس أحمد الشرع يفتح الباب أمام مرحلة جديدة في التعاطي مع ملف شرق الفرات، حيث يمكن أن تتحول المنطقة من ساحة صراع دولي – إقليمي إلى مساحة لتسويات سياسية واقتصادية تعزز من استقرار سوريا لكن نجاح هذا السيناريو مرهون بقدرة القيادة الجديدة على موازنة العلاقات الدولية، وإطلاق مشروع وطني جامع يستوعب المكونات المحلية ويعيد الثقة المفقودة بين الدولة والمجتمع

 

سيناريو رفض “قسد” الانخراط في الحكومة الجديدة:

 

إن رفض قوات سوريا الديمقراطية المشاركة أو الانخراط في مشروع وطني بقيادة الرئيس أحمد الشرع سيضع ملف شرق الفرات أمام تحديات إضافية ومنها:

استمرار “قسد” في فرض إدارة ذاتية منفصلة سيبقي المنطقة بحالة “كيان مواز” داخل الدولة، ما يعمق الفجوة السياسية ويؤخر عملية إعادة توحيد الجغرافيا السورية ويهدد ببدئ تركيا عملاً عسكرياً من خلال إعادة تفعيل اتفاقية أضنة بعمق 35 كيلو متر ضمن الأراضي السورية

 

هذا الرفض قد يعزز نزعة بعض المكونات الكردية نحو المطالبة بصيغة أقرب للفدرالية أو الحكم الذاتي، وهو ما يعتبر خطاً أحمر بالنسبة للحكومة المركزية الجديدة ومعظم القوى الإقليمية لاسيما تركيا التي ترى في النفوذ الكردي تهديد مباشراً لأمنها الداخلي

 

بالمقابل، قد تستفيد الحكومة من أصوات عربية محلية داخل شرق الفرات رافضة لهيمنة “قسد”، وتوظفها كورقة ضغط لإضعاف شرعيتها الداخلية
لاسيما دور العشائر العربية كونها مكون كبير في منطقة شرق الفرات

 

بإختصار العشائر في شرق الفرات ليست مجرد مجموعات اجتماعية، بل شريك سياسي واستراتيجي محتمل للحكومة الجديدة

شارك المقال :

فيسبوك
واتسأب
تلجرام
اكس (تويتر)

مقالات قد تعجبك :

تتنقّل سورية بعد سقوط الديكتاتورية الاقتصادية بين إرث كينزية مشوّهة وهيمنة شبكات الحرب، بينما تحاول الدولة اليوم بناء اقتصاد نيوليبرالي…
مع تصاعد الإصلاحات التشريعية والانفتاح الدبلوماسي، تستعيد سوريا موقعها على الخريطة الدولية بثبات جديد ورؤية أكثر نضجاً، مرحلة انتقالية واعدة…
تمكين الشباب السوري هو ركيزة أساسية لإعادة البناء والتنمية، عبر دعمهم اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا، بما يعزز الاقتصاد المحلي والتماسك الاجتماعي…

القائمة