الجفاف ينهك سورية: أزمة خبز وخضروات تلوح في الأفق ومليارات الدولارات نحو الاستيراد

تشهد سوريا واحدة من أشد أزماتها البيئية والاقتصادية منذ عقود مع حلول عام 2025 تضافرت العوامل المناخية والهيكلية في توليد أزمة غذائية غير مسبوقة تُنذر بتداعيات كارثية على معيشة الملايين واستقرار الاقتصاد الهش، فقد تسببت موجة الجفاف الممتدة منذ أواخر 2024 في فشل ما يقارب 75% من محصول القمح المتوقع، بحسب تقارير منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، مما أسفر عن عجز غذائي يقارب 2.7 مليون طن، يهدّد أكثر من 16.3 مليون شخص، وتؤكد منظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن 45% من سكان البلاد يعتمدون على الزراعة كمصدر رئيسي للرزق فيما يواجه 14.6 مليون سوري انعدامًا في الأمن الغذائي منهم 9.1 مليون في حالة حرجة.

تشير بيانات FAO إلى أن كمية الأمطار المتراكمة في الربع الأول من 2025 بلغت 95 ملم فقط وهو أدنى مستوى منذ عام 1997 وقد أدى هذا إلى انخفاض الإنتاج البعلي بنسب تجاوزت 70% في بعض المناطق الزراعية الأساسية كإدلب وريف حلب وحماه مما انعكس مباشرة على مؤشر الغطاء النباتي (NDVI) الذي سجل انخفاضًا بمعدل 50% مقارنة بالسنوات السابقة، في ظل الانهيار في الإنتاج المحلي من الحبوب، يتوقع خبراء الاقتصاد أن ترتفع فاتورة الاستيراد بشكل حاد، لتتجاوز 800 مليون دولار للقمح وحده. ويمثل هذا الرقم عبئًا ضخمًا على ميزان المدفوعات السوري في ظل محدودية احتياطيات النقد الأجنبي والعقوبات الدولية.

 

 

مؤشر الإجهاد الزراعي للعقد الأخير من أبريل (2024 يسارًا مقابل 2025 يمينًا)

 

ويُحذر اقتصاديون من أن تمويل هذه الواردات من الاحتياطي النقدي المتآكل للبنك المركزي قد يؤدي إلى استنزاف ما تبقى من العملة الصعبة ويقوّض استقرار الليرة السورية.

الأزمة الزراعية الحالية لا تقتصر على المحاصيل فقط، بل تضرب أحد آخر أعمدة الاقتصاد السوري القابل للبقاء إذ تمثل الزراعة حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي في بعض التقديرات، وتوظف قطاعًا واسعًا من العمالة الريفية ومع تدهور هذا القطاع تتسع رقعة البطالة والفقر، وتتعمق الفجوة التضخمية نتيجة ارتفاع أسعار الأغذية المستوردة في بيئة يشوبها تآكل في الدخل الحقيقي للسكان ارتفاع الطلب على الدولار لتمويل الواردات الزراعية في ظل نقص المعروض النقدي يُنذر بانزلاق جديد في سعر صرف الليرة السورية خاصة في السوق السوداء ما قد يُدخل الاقتصاد في دوامة تضخمية جديدة ويزيد من صعوبة وصول المواطنين للغذاء.

الأزمة الغذائية الحالية ليست مجرد نتيجة للجفاف، لا تقتصر أسباب الأزمة الغذائية الحالية على موجات الجفاف فقط، بل تعود أيضًا إلى عوامل متعددة أخرى، من أبرزها تدهور خصوبة التربة في العديد من المناطق نتيجة غسل عناصرها بفعل تحلل المواد المتفجرة وبقايا المباني المدمرة وبقايا الأنقاض ، بالإضافة إلى تلغيم مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، ما يحول دون استخدامها ويزيد من حدة انعدام الأمن الغذائي و تحميل الحكومة السورية  الجديدة مسؤولية كاملة عن الأزمة الغذائية المعقدة قد لا يكون منصفًا بالكامل من منظور زمني إلا أن تفاقم الأزمة يكشف عن فراغ بنيوي عميق في السياسات الاقتصادية العامة الحالية، وغياب واضح لخطط الطوارئ الزراعية والمائية، إلى جانب ضعف الاستثمار في تقنيات الري البديل، إلى جانب إعادة توجيه الموازنة العامة لدعم الزراعة المروية والبذار والأسمدة، وتشجيع زراعة بدائل استراتيجية أقل استهلاكًا للمياه، وإعادة هيكلة منظومة دعم الفلاحين

وفي ظل هذا الواقع تبرز الحاجة الملحة إلى خطة استجابة غذائية طارئة بالشراكة مع وكالات الأمم المتحدة، مع التركيز على توفير القمح كمساعدة غذائية مباشرة، لا عبر آليات الاستيراد النقدي سورية تقف على مفترق طرق بين استمرار الاستنزاف والانهيار البطيء، أو الاستفادة من الأزمة لتدشين مرحلة جديدة من التحول الزراعي والسياسات الرشيدة فالجفاف ليس قدرًا محتومًا بل قد يكون جرس إنذار لسياسات طال إغفالها.

حسن المروان حراج – باحث اقتصادي

شارك المقال :

فيسبوك
واتسأب
تلجرام
اكس (تويتر)

مقالات قد تعجبك :

عقد مركز سوريا للدراسات والتنمية ندوة حوارية بعنوان “الموقف الأمريكي تجاه سوريا في ظل خطاب الرئيس السوري في الأمم المتحدة”…
التعصب القومي جدار عازل يُطفئ نور الأمة ويبعثر قوتها، أما العقيدة الجامعة فهي الجسر الذي يوحّد تنوعها ويُشعل حضارتها من…
تصعد تركيا ضد إسرائيل عبر مقاطعة تجارية ودبلوماسية نشطة ودعم قانوني دولي، كما تعزز نفوذها الإنساني والجيوسياسي وتدفع نحو إقامة…

القائمة