الدوحة شرارة وسورية البوصلة.. كيف يعاد رسم الشرق الأوسط حول اسرائيل

ما جرى في قطر لم يكن مجرد أزمة عابرة، بل لحظة مفصلية دفعتنا لإعادة التفكير في طبيعة التحالفات بالمنطقة.. لم تعد المسألة تتعلق بمن ينتمي إلى الغرب أو الشرق، بل بمن يجرؤ على مخالفة السياسة الإسرائيلية، وفي هذا السياق تبدو دول مثل تركيا، السعودية، وسوريا وكأنها تائهة بين المحاور تبحث عن تموضع جديد وسط صراع دولي يتصاعد بينما تُعاد صياغة خرائط النفوذ من جديد.

 

المحور الأول: من استهداف قطر إلى تهديد السعودية

 

استهداف قطر كان بمثابة إنذار مبكر، الرسالة كانت واضحة بأن أي دولة تُخالف الإيقاع الإسرائيلي، حتى لو كانت حليفة للغرب، تصبح عرضة للضغط أو الاستهداف المباشر .
على سبيل المثال : السعودية رغم وجود قواعد أميركية على أراضيها ليست بمنأى عن هذا التهديد، فلو دخلت في صراع مباشر مع إسرائيل أو تبنّت سياسة مستقلة ، أو مؤثرة بالقضية الفلسطينية، فلن تجد ملاذاً مضموناً في الغرب، وهذا ما يجعلها في موقع حساس، تُعيد فيه حساباتها وهذا ما دفعها لتوقيع اتفاق دفاع مشترك مع الدولة النووية باكستان .

لاشك أن هذا الاتفاق لم يكن وليد اللحظة بل هو نتيجة لعلاقات سعودية باكستانية قديمة وعريقة ولكن كان الاستهداف المحفز لمثل هذه التحالفات وحاجة ملحة لعقد هذه الإتفاقيات .

كما أننا سنشهد انفتاحاً جديداً للعلاقة السعودية الصينية من بوابة التبادل التجاري واتفاقيات تصدير الطاقة.

بنفس السياق نشاهد انفتاحاً سعودياً على روسيا في ظل رغبة روسية بإعادة تحالفاتها وحضورها بالمنطقة بعد توالي خساراتها أمام الأمريكي بداية من العراق ، وليبيا وصولاً لسورية .

 

المحور الثاني: تركيا بين الناتو والبحث عن حلفاء حقيقيين

 

تركيا العضو في حلف الناتو باتت تشعر أن هذا الانتماء لم يعد يضمن لها الحماية، خاصة في ظل الغطرسة الإسرائيلية واستهداف قطر الحليف الأقرب لها، هذا الشعور بالخذلان يدفع أنقرة إلى التفكير بتحالفات بديلة، قد تكون إسلامية مع باكستان، أو مصلحية مع روسيا والصين.. لكن تركيا تدرك أن أي خطوة خارج الناتو ستكون مكلفة، وأن التموضع الجديد يجب أن يكون مدروساً بدقة لا مجرد رد فعل.

 

المحور الثالث: سوريا كنقطة متقدمة في الصراع القادم

الانفتاح الأميركي الأخير على سوريا ليس بريئاً، فواشنطن لا تسعى فقط إلى احتواء النفوذ الإيراني أو الروسي، بل إلى إعادة صياغة علاقتها مع المحور الإسلامي، واستقطاب شرائح جديدة من الفاعلين المحليين، في

المقابل روسيا والصين لا تدخلان الصراع بشكل مباشر بل تُراهنان على استقطاب الجهاديين أو الفاعلين غير الدوليين كأدوات ضغط غير تقليدية.

سوريا، في هذا السياق تتحول إلى نقطة متقدمة في الصراع لا بوصفها هدفاً بل بوصفها ساحة اختبار لسياسات المحاور.

نحن أمام لحظة إقليمية حساسة لم تعد فيها التحالفات واضحة ولا الاصطفافات مضمونة.

تركيا، السعودية، وسوريا، كل منها تواجه مأزقاً استراتيجياً، بين الانتماء التاريخي والواقع الجيوسياسي الجديد..

أما إسرائيل، فهي ليست مجرد طرف في الصراع بل مركز ثقل يُعاد ترتيب المنطقة حوله، وفي ظل هذا المشهد يبدو أن الشرق الأوسط يتجه نحو صراع شرقي–غربي تكون فيه سوريا بؤرة التفاعل لا من موقع الضعف،

بل من موقع التداخل بين المصالح الكبرى.

مما تقدم نجد إن السياسة الخارجية الأمريكية في ظل دعمها غير المشروط لحكومة نتنياهو تواجه اليوم أزمة ثقة حقيقية في الشرق الأوسط، لم يعد هذا الدعم يُقرأ بوصفه تحالفاً تقليدياً، بل بات يُنظر إليه كانحياز

يُقوّض ما تبقى من مصداقية واشنطن كفاعل متوازن.

هذا الانحياز دفع الحلفاء الإقليميين إلى مراجعة خياراتهم والبحث عن شركاء أكثر اتزاناً أو بناء استقلالية استراتيجية تُقلّص من الاعتماد على الولايات المتحدة بالتالي لم يعد الحليف الأمريكي خياراً تلقائياً بل أصبح موضع

شك أخلاقي واستراتيجي.

وبينما تتآكل فعالية الدور الأمريكي بفعل قراراته الذاتية تتشكل تحالفات جديدة من حوله لا لصالحه.

فالسياسة ليست فقط مصالح، بل أيضاً سرديات ومواقف، والولايات المتحدة في سرديتها الحالية تخسر قدرتها على الإقناع، وتبتعد تدريجيا عن موقعها كقوة جامعة في المنطقة.

شارك المقال :

فيسبوك
واتسأب
تلجرام
اكس (تويتر)

مقالات قد تعجبك :

عقد مركز سوريا للدراسات والتنمية ندوة حوارية بعنوان “الموقف الأمريكي تجاه سوريا في ظل خطاب الرئيس السوري في الأمم المتحدة”…
التعصب القومي جدار عازل يُطفئ نور الأمة ويبعثر قوتها، أما العقيدة الجامعة فهي الجسر الذي يوحّد تنوعها ويُشعل حضارتها من…
تصعد تركيا ضد إسرائيل عبر مقاطعة تجارية ودبلوماسية نشطة ودعم قانوني دولي، كما تعزز نفوذها الإنساني والجيوسياسي وتدفع نحو إقامة…

القائمة