الاختلاف كمقوم أساسي من مقومات التماسك والتعايش

بالنظر للواقع السوري وتحديد الكمية الكبيرة المتباينة من الاختلاف والتنوع التي توجد وتتوزع به إضافة الى كمية الاندماج المترافقة من علاقات وارتباطات وأعمال وعلى صعيد ذلك، يُثار في أذهاننا سؤال، كيف يحدث ذلك

وما هي العوامل التي تساعد على ان نرى هذا التفاعل أو كيف يستطيع المجتمع أن يُبنى على النقيض من أمرين لا يحملان التوافق وهما الاختلاف بكل ما تعنيه الكلمة والتوافق في المقابل في طريقة العيش، ذلك

السؤال يفتح لنا أبوابا عدة للبحث عن الإجابة ويجعلنا ندرس أهمية البحث فيه:

 

مفاهيم البحث:

الجماعة، التماسك، الاختلاف، التوازن، التفاعل الاجتماعي

 

الجماعة:

 

هي تعبير عن نفسها حيث لا يمكن ان نطلقها على فرد بعينه وانما عندما يتم تجاوز العدد عن اثنان وثلاث، تكون الجماعات متعددة ومختلفة ومتنوعة داخل المجتمع وهي مُشكلة له او يمكن القول انه لا يوجد مجتمع بلا جماعات وهي ليست فقط افراد بل هي أكثر من ذلك وتتشكل من معتقدات وأفكار واراء وعادات واديان ملتحمة مع بعضها وان كانت بذلك الشكل هذا لا يعني أيضا ان يكون هناك توافق كامل بالمعنى المطلق وانما كل ذلك مجموع برغم من اختلافه أي ليس هناك شرطا بأن يتم التوافق

أيضا تدل كلمة الجماعة في معناها العادي على اجتماع اشخاص مهما كانوا ومن أي الجنسين كانوا، ومهما كانت قوميتهم ومهنتهم ومهما كانت المصادفة التي جمعتهم

بينما من الناحية النفسية فالجماعة تدل على معنى اخر حيث ان تلك الجماعة ذات الكيان الواحد تخضع لسنة الوحدة النفسية للجماعات واذا ما حدث ان وجد افراد بعضهم بجانب بعض عرضا فأن هذا لا يمنحهم صفات الجماعة المنظمة , ولو اجتمع الف شخص  الى بعضهم بعضا في ميدان عام بطريق المصادفة  من غير هدف معين ما كانوا جماعة نفسية قط , وهم لكي يكتسبوا صفات الجماعة النفسية , لابد من ان تؤثر فيهم بعض المحرضات  , ان ابرز امر في الجماعة النفسية هو ان الافراد الذين تتألف منهم مهما كانوا ومهما تماثلوا او اختلفوا في طراز حياتهم واعمالهم واخلاقهم وعقولهم هو انهم , هو انهم اذا ما تحولوا الى جماعة منحتهم هذه الجماعة ضربا من الروح الجامعة , وهذه الروح تجعلهم يشعرون ويفكرون ويسيرون على وجه  يخالف ما يشعر به ويفكر فيه ويسير عليه كل واحد منهم وهو منفرد , ومن الأفكار والمشاعر ما لا يظهر  او يتحول الى اعمال الا لدى الافراد في الجماعة ,فالجماعة النفسية هي وجود مؤقت مؤلف من عناصر متباينة ملتحمة لأجل , وهي كخليات الجسم الحي التي يتألف من اجتماعها موجود جديد ذو صفات تختلف عن صفات كل واحدة من هذه الخليات

الافراد يتجمعون لتحقيق مصالحهم، وبما انه تم ذكر انه أسباب الالتحام ان تكون ذو هدف فأنه لا بد من إدراك ان ذاك الهدف لن يكون لصالح فرد بعينه وانما يشمل صالح الجميع كأن نقول اجمع الجميع على ان تكون قضيتهم كذا أوكذا وهذا يأخذنا للمسؤولية المجتمعية التي تنشأ عند الافراد من خلال وجود البيئة المناسبة والعوامل الداعمة وتجعل منهم افراد قادرين على ان يقوموا بأعمال تحمل طابع المصلحة الجماعية

تماما كالعقد الاجتماعي، مراعاة لصالح الجميع

 

التماسك:

 

التماسـك الاجتماعـي هـو مفهـوم معقـد ومتعـدد الابعـاد والطبقات، “علاوة على ذلك فان الأساس الجذري للمفهوم هو موضوع جدل، قد يتطور التماسك في المقام الأول في المصطلحات التاريخية الثقافية، أي إن

معايير الثقة والانتماء تطورت معا بمرور الوقت من خلال السياسات المميزة والانماط لتشكيل الدولة والشعوب على المدى الطويل، لذا فالتماسك هو المجتمع الذي تتمتع فيه جميع المجموعات بإحساس بالانتماء

والمشاركة والاعتراف والشرعية ذلك من خلال احترام التنوع والاستفادة من الطاقات الكامنة في تنوع الافراد في تنمية المجتمع حيث نرى ان الصراعات الداخلية التي تحدث تجعل من المجتمع يؤول الى التفكك وانقسام

الوحدة الاجتماعية الى وحدات متعددة كل منها يتمسك بمعتقداته ومحاربته للوحدة الثانية  وتنقطع وحدات التواصل بينهم التي تعد من اهم الأسس للتنمية بالجماعات والعلاقات الاجتماعية والسؤال هنا هو هل يمكن

لمجتمع ان ينهض دون وجود التماسك بين مكوناته ؟

 

التفاعل الاجتماعي:

 

يعد من أكثر المفاهيم انتشاراً في علم الاجتماع وعلم النفس على السواء وهو الأساس في دراسة علم النفس الاجتماعي الذي يتناول كيفية تفاعل الفرد في البيئة وما ينتج عن هذا التفاعل من قيم وعادات وتقاليد

واتجاهات

ان التفاعل هي كلمة مستعارة من العلوم الطبيعية تعني التأثير المتبادل بين عنصرين او أكثر ونتيجة ذلك التأثير المتبادل بين هذه العناصر يتم الحصول على ناتج للتفاعل, لكن التفاعل الاجتماعي يختلف عن التفاعل في

العلوم الطبيعية لكونه يتضمن مفاهيم ومعايير واهداف ويتضمن ادراك الفرد الاجتماعي وسلوك الفرد في ضوء المعايير عن طريق اللغة والرموز والاشارات وتكّون الثقافة للفرد والجماعة نمط التفاعل الاجتماعي وهنا تجدر

بنا الإشارة الى التمييز بين الفعل الاجتماعي  وبين غيره من الأفعال الغير اجتماعية و فالفعل الاجتماعي” هو السلوك الإنساني الذي يحمل معنى خاص يقصد اليه فاعله بعد ان يفكر في رد الفعل المتوقع من الأشخاص

الذي يوجه اليهم سلوكه.

 

ما هي العوامل التي تؤدي إلى تماسك المجتمع؟

 

  • العوامل الاجتماعية:

 

  • المتغيرات السلوكية لتماسك الجماعة: هي العوامل التي تقوم عليها عملية التنشئة المجتمعية وتساهم بتفعيل سلوكيات تتوجه في أهدافها لتحقيق المصلحة العامة

 

  • السلوك الجماعي التعاوني: كلما زاد تماسك الجماعة كلما غلب على نشاط أفرادها طابع التعاون والتكاتف لتحقيق أهداف مشتركة.

 

  • الإذعان للجماعة: كلما زاد تماسك الجماعة كلما زادت قدرة الجماعة على فرض معاييرها وقواعدها على أفرادها.

 

  • العدالة الاجتماعية: حيث يعتبر توزيع الموارد والفرص بشكل عادل بين افراد المجتمع عاملا أساسيا في تماسكه، فالشعور بالظلم والتهميش والاقصاء قد يؤدي الى انقسام المجتمع وضعف تماسكه

 

  • التضامن الاجتماعي: يشير هذا المفهوم الى الشعور بالمسؤولية المشتركة تجاه رفاهية المجتمع وافراده ويتجلى هذا التضامن في التعاون الاجتماعي وتقديم الدعم للأفراد المحتاجين والعمل الجماعي لتحقيق الأهداف المشتركة

 

  • العوامل السياسية:

 

  • الحوكمة الفعالة: تساهم الحكومات الفعالة والشفافة في تعزيز تماسك المجتمع من خلال توفير الخدمات العامة وحماية حقوق المواطنين وتطبيق القانون بشكل عادل

 

  • المشاركة السياسية: يعزز اشراك المواطنين في صنع القرار السياسي شعورهم بالانتماء والمسؤولية تجاه المجتمع ويساهم في بناء الثقة بين المواطنين والحكومة

 

  • الاستقرار السياسي: يعتبر الاستقرار السياسي عاملا أساسيا في تماسك المجتمع، حيث ان الصراعات السياسية والاضطرابات قد تؤدي الى انقسام المجتمع وضعف تماسكه

 

  • العوامل الاقتصادية:

 

  • الفرص الاقتصادية المتكافئة: يساهم توفير فرص العمل والازدهار الاقتصادي في تعزيز تماسك المجتمع من خلال الحد من الفقر والبطالة وتحسين مستوى المعيشة للأفراد

 

  • التنمية المستدامة: تساهم التنمية المستدامة التي تراعي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية في تعزيز تماسك المجتمع على المدى الطويل

 

لقد أكد ” ابن خلدون ” أهمية التماسك الاجتماعي فقال ان المجتمع وعمرانه لا يمكن ان يظهرا الى الوجود من خلال تفرق جهود الافراد وتبعثرها، فالإنسان الذي يدرك بفطرته سبل عيشه، يدرك كذلك ضرورة تعاونه

وتماسكه مع الجماعة واذ ليس في مقدور كل انسان ان يوفر حاجاته لنفسه. ان ذلك يتطلب تماسكا وتعاونا بين الناس أي العمل على تبادل الموارد والقدرات بين الافراد بدعوى العمل المشترك وتحقيق المصالح العامة

وحماية وجودهم,  ولا بد أيضا الى الإشارة هنا عما أكد عليه ابن خلدون في أهمية البناء والعمران المجتمعي وكيف انه معتمد تماما وبالدرجة الأولى على العمران البشري وان البناء يبدأ من الفرد نفسه وبهذا لا يستطيع

فرد بعينه ان يقوم بعملية العمران دون المساعدة من افراد المجتمع الأخرين

 

إن الذي يساعد على تماسك الجماعة وتطور علاقاتها الاجتماعية هو ” الثقافة ” لأنها هي الأرضية التي يتغذى بها المجتمع، والتي تنمو عليها العلاقات الاجتماعية، وهي تلك السلوكيات التي نتعلمها ونتشارك بها مع

المجتمع , وتعمل على تضامن العلاقات بين الافراد داخل المجتمع، وهي في الوقت نفسه العصا التي تشكل هذا المجتمع، وتصوغ سننه ومعاييره، وبالتالي فالثقافة ترسخ التماسك الاجتماعي، من خلال القواعد

الثقافية والعادات الثابتة المحددة والمعروفة للجميع  فهي نمطا من العقد الاجتماعي تعطي الفرد الإحساس بالحماية والانتماء والاعتزاز بالهوية

 

يتكون المجتمع من عدة جماعات، سواء كانت أوليَة تعتمد على علاقات الوجه للوجه او ثانوية تعتمد على علاقات غير مباشرة ومما لا شك فيه ان تماسك الجماعات يؤثر في التماسك الاجتماعي العام ومن تعريفاتها أنها

ناتج مجموع القوى التي تؤثر في أعضائها للبقاء في الجماعة ودرجة جاذبية الجماعة للأفراد للعضوية فيها ويستخدم مفهوم تماسك الجماعة في الدلالة على جوانب من سلوك الجماعة، فيعرف تماسك الجماعة في ضوء

الروح المعنوية والاقبال على نشاط الجماعة وروح الجماعة

 

والفرد الذي ينتمي الى جماعة معينة لا يمكن ان يصبح عضوا متماسكا في الجماعة الا إذا تعلم عناصر تلك الثقافة وبالتالي فالعلاقة وثيقة بين تماسك علاقات الجماعة والقواعد التي تنظم هذه العلاقات، تلك التي هي

جزء لا يتجزأ من الثقافة

 

العوامل التي تؤثر في ضعف التماسك الاجتماعي:

 

  • تعتبر الحروب والنزاعات المسلحة وعملية الغزو والكوارث من العوامل التي تؤثر في التماسك الاجتماعي ويرجع ذلك الى انها تدفع المجتمع الى إعادة تنظيم أولوياته وتدفع الافراد الى إعادة النظر في أهدافهم وسبل تحقيقها كما تؤدي الى اهتزاز قيم الافراد ونشأة الصراعات النفسية داخل الفرد وبينه وبين غيره من أعضاء المجتمع ونقص اشباع حاجات الافراد المختلفة والشعور بالتهديد

 

  • خلل العلاقات الاجتماعية المبنية على العوامل الاقتصادية أي حدوث فجوات بين طبقات المجتمع وبالتالي تحول العلاقات الى علاقات ندية تنافسية ربحية خارجة عن نطاق العلاقات الإنسانية

 

  • عدم مراعات الاختلاف في المعتقدات بين افراد المجتمع وبالتالي التعامل مع المختلف وكأنه شيء شاذ ويجب محاربته او اعتزاله وهذا يجعل العلاقات متخلخلة

 

  • التغير الثقافي نتيجة للغزو الثقافي او الاحتكاك بثقافات مختلفة احتكاكا مستمرا مما يؤدي الى صراع بين القيم الاصلية والقيم الواردة

 

  • فقدان الثقة: مما لا شك فيه ان عامل الثقة يعتبر العامل المهم الذي يمكّن توافره وجود كبير لعملية التماسك وان المجتمعات التي تضعف فيها الثقة في العلاقات بين الافراد او بين الافراد والحكومات وبين المؤسسات الحكومية أيضا تعتبر مجتمعات تعاني من خلل في المنظوم التماسكي للسير والعمل والتقدم لإنها أيضا تعزز فقدان الهوية الجماعية

 

  • غياب دوافع العمل والتنمية وهذا ما يفسر انعدام وجود مواطنة فاعلة تجعل الفرد حاملا للمسؤولية التي توجب عليه المبادرة للقيام بالواجبات والعمل على تقدم وتطوير المجتمع القاطن به

 

  • عدم القدرة على التكيف مع التغيير عجز المجتمع عن التكيف مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية السريعة، يؤدي الى اضطرابات اجتماعية وزيادة معدلات الجريمة والعنف

 

  • غياب الشفافية والمساءلة: الفساد، وغياب الشفافية في إدارة الشؤون العامة وعدم مساءلة المسؤولين، يضعف الثقة بين المواطنين والحكومة، ويؤدي الى انعدام الاستقرار

 

  • سوء إدارة الموارد الطبيعية: نضوب الموارد الطبيعية او سوء ادارتها، يؤدي الى صراعات على الموارد ويضعف التماسك الاجتماعي، خاصة في المجتمعات الريفية

 

 

التنشئة الاجتماعية:

 

اذا أردنا ان نربط التماسك الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية السوية بين الجماعات داخل المجتمع نجد ان التنشئة ليست بالعملية اليسيرة وانما هي عملية معقدة  متشابكة العوامل متداخلة التأثير لكنها عملية هادفة

فاذا كان هدفها في المراحل الأولى للحياة هو اشباع حاجات المرء ومطالبه , فأنها تستهدف في المراحل التالية اشباع الحاجات واحداث نزع من التوازن والتوافق الشخصي والاجتماعي بينه وبين البيئة ثم التحكم في

مقوماتها وعواملها بل يعمد الى تحويل تلك العوامل والمقومات من واقع ملموس , محسوس , الى مدرك مجرد ورمز محدد يمكن نقله وتناقله في سهولة ويسر

 

وفي غالب المجتمعات العربية نجد غياب للتنشئة الاجتماعية، غياب لمقوماتها وغياب لسلوك دال عليها رغم الادراك بأهميتها في نقل وتناقل القيم بين الأفراد من جيل الى جيل ودلالتها على الوصول بالفرد الى ذلك

الفرد النشط القادر على التقديم والإنتاج والبحث والتطوير في مجتمعه.

 

وتعقيبا نبحث في كيفية تأثير الجماعة والافراد على البيئة حيث ان الجماعات كالأفراد تحيا في بيئات متعددة، يُقصد بالبيئة هنا جميع المؤثرات التي يتعرض لها الافراد او الجماعة، سواء كانت مؤثرات خارجية ام داخلية،

فالفرد يتأثر بالعوامل او القوى التي يتلقاها من خارجه مثل الظروف الطبيعية والفيزيقية التي يتعرض لها، كذلك تتعرض الجماعة وتتأثر بالعوامل الفيزيقية المحيطة بها مثل المكان من حيث سعته وحجمه واضاءته وضوضائه

وطريقة استخدام الأعضاء للمكان وهذا يشكل البيئة الفيزيقية للجماعة ومن هنا ندرك أهمية سلامة البيئة المحيطة بالفرد بان تكون هي نفسها ليست عامل تهديد لأمنه وسلامه ووجوده وبالتالي تكون حاملة له الامن

والاستقرار.

 

ومن العوامل التي يتأثر بها الفرد من داخله اتجاهاته وآرائه نحو الموضوعات المختلفة، أي دوافعه الداخلية تجاه القضايا المجتمعية وادراكه لها كبرها وصغرها وبعدها وقربها من العمليات التي تجعله كائن او غير كائن في

المكان وقادر او غير قادر، ما يشكل سلوكه وتصرفاته.

 

كذلك تتأثر الجماعات بما يتصف به أعضاؤها من خصائص وسمات لان تلك الخصائص تعمل بمثابة منبهات تؤثر في استجابات هؤلاء الأعضاء وفي الخصائص الإجرائية للجماعة وهذا يشكل ” البيئة الشخصية للجماعة ”

حيث يقصد بالبيئة الاجتماعية للجماعة محددات العلاقات الاجتماعية  داخل الجماعة ويمكن تصنيف تلك المحددات في فئتين , يُطلق على الأولى :  “تكوين الجماعة  ” ، وعلى الثانية :  “بنية الجماعة ” ويُقصد بتكوين

الجماعة العلاقة بين خصائص شخصيات الأعضاء واثار  هذه العلاقات على أداء الجماعة لوظائفها ويُقصد ببنية الجماعة نمط العلاقات بين الأجزاء المتمايزة في الجماعة وهذا يقودنا للوصول الى البناء الاجتماعي الذي يكون

ترتيب مستقر للمؤسسات التي يتفاعل ضمنها البشر ويعيشون , “البعض يعرفه بانه النمط المتكرر من العلاقات الاجتماعية ”

 

بيّنت الدراسات عن تكوين الجماعة أنه تتفاوت مشاركة الأفراد في انتاجية الجماعة، بناء على الاخرين الموجودين بها فالعدواني في جماعة لا يكون كذلك في جماعة من الغرباء العدوانيين

اما عن تماسك الجماعة فقد وجد انه كلما زاد تماسك الجماعة زاد شعور الأعضاء بالرضا، وزاد معدل التواصل بينهم وزادت إيجابية التفاعل الدائر بينهم وزادت فعالية الجماعة في تحقيق أهدافها كما تزداد قدرة الجماعة

على الاحتفاظ بأعضائها وعلى التأثير فيهم، كما يزداد ولاء الأعضاء للجماعة وشعورهم بالأمان، وكلما زاد تجانس وتقارب سمات الأعضاء الشخصية زاد التآلف بين أعضاء الجماعة وزادت فعاليتها وبالتالي استنتاجا كلما زاد

التوافق بين أعضاء الجماعة زاد رضاهم وزادت فعالية الجماعة.

 

الاستقرار الاجتماعي:

 

يُشير الاستقرار الاجتماعي الى نوع من التساند بين مجموعة ظواهر اجتماعية مترابطة , ظهرت جذور هذا المنظور في فلسفة ” اوجست كونت ” الوضعية , عندما ربط بين قيام الثورة الاجتماعية وإلغاء الملكية وتأسيس

الجمهورية في القرن السابع عشر , وشيوع عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي , وظهور أنواع شتى من المشكلات الاجتماعية يرى ” كونت ” ضرورة إعادة القانون والنظام مرة أخرى الى المجتمع , بإصلاح المجتمع

ومعالجة المشكلات التي يواجها ولكي يوضح نظريته في الإصلاح الاجتماعي , شرح بنية المجتمع وتركيبها الذي يحتوي على جانبين , جانب الستاتيكي ( ثابت ) يتشكل من مجموعة النظم والمؤسسات وجانب

ديناميكي ( متغير)  يشير الى طرق التفكير والثقافة التي تتغير وتتبدل مع الزمن والتي لها تأثيرها المباشر على المجتمعات

 

يذهب هذا الجانب الى التأكيد على أهمية الوحدة الاجتماعية من خلال الاجتماع على طرق التفكير العلمية التي تساهم اسهاما واضحا في تعزيز وتنمية المجتمعات والابتعاد عن الفردانية التي أصبحت الظاهرة الأكثر

رعباً في العصر الحديث

 

ويظل الأساس الذي يقوم عليه الاجتماع الانساني وفقا للنموذج الوظيفي، هو اتفاق أعضاء المجتمع، أي الاجماع بمعنى انهم يتفقون بوجه عام على القيم والمعايير

 

نفسها والاعتماد المتبادل نتيجة للحياة الاجتماعية المشتركة، لتحقيق الاستقرار ومن ثم التهيئة الكاملة للوصول لحالة التوازن الاجتماعي وكما يؤكد دائما الدكتور عبد الكريم بكار في ان المجتمعات المتوازنة تتطلب

عمليات تحمل الجهد الكبير في تحقيق الاستقرار والأمان

 

 

كيف يمكن للمجتمع أن يحقق مساحات من العدل عند اختلاف الميزان الاجتماعي؟

يواجه الافراد صعوبة او اشكالية البحث في زوايا ذلك السؤال عند وجود خلل في الميزان الاجتماعي وكما الواقع السوري في الوقت الحالي هو في حالة الانتشال من واقع الثورة والوصول لواقع الدولة

فالثورة ” تعني التغيرات التي تعمل على تبديل في البنى المؤسسية للمجتمع، تلك التغيرات التي تعمل على تبديل المجتمع ظاهرياً وجوهرياً من نمط سائد الى نمط جديد يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية واهداف

الثورة

 

وبهذا فالثورة ظاهرة ضرورية يعبر بها الافراد في المجتمع عن عدم رضاهم عن أوضاع اجتماعية وسياسية واقتصادية متدنية وذلك للانتقال من واقع “مجتمع مريض “الى” مجتمع سليم” يحمل بداخله الحرية والعدالة،

فالثورة لا تكتفِ بالإطاحة بنظام حكم معين واستبداله بغيره بل لها امتدادات أكثر من ذلك فهي تعني إعادة تنظيم المجتمع وتنظيم ممارسة السلطة ووضع قواعد اجتماعية جديدة وكما قال البروفيسور “برهان غليون” أنها

التغييرات والإجراءات على اليات عمل السلطة وانتقالها والتوافق على صيغة عملية يحترمها الجميع وتكفل حق الجميع في السلطة وفي التشجيع على التنافس النزيه وعلى منطق الاقناع لا منطق القوة وعلى احترام

كرامة الانسان وحقه في الحياة والحرية حتى لا يظل شكل العنف المنطق المتداول بين أبناء الشعب الواحد

 

بالإضافة الى انه على المجتمع تحقيق العدالة حتى يتمكن من تخفيف عبئ اختلال التوازنات وتفعيل حال القبول بين الافراد وبهذا فان المجتمع بحاجة لقضاة قادرون على تلك المهام وحلها بالطرق الصحيحة فكما يقول

الفيلسوف افلاطون: “ان الأفضل للشعب ان يكون له قضاة جيدون وقوانين فاسدة على ان يكون له قوانين سليمة وقضاة فاسدون”

 

الاختلاف:

 

لكي نبحث في طرق تنظيم الجماعات والعلاقات داخل المجتمع وكيفية تأثيرها في تعزيز وجودها والمساهمة في تنمية وازدهار المجتمع لابد لنا ان نتطرق بالحديث الى موضوع الاختلاف وتأثيره

فالاختلاف بين الناس على العديد من المستويات، سنة ماضية في خلق الله الى يوم الدين، حيث قال سبحانه:

((ولو شاء ربك لجعل الناس امه واحدة ولا يزالون مختلفين _ الا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملان جهنم من الجنة والناس اجمعين))

 

لا يمكن لنا أن نتفق في كل شيء، وذلك بسبب نوعية تركيبنا العقلي وبسبب تنوع خلفياتنا الثقافية، بالإضافة الى طبيعة القضايا التي نفكر فيها والأدوات التي نستخدمها، فملامح وجوهنا العامة موحدة وهذا هو الإطار

الجامع للفكر الإنساني بكل ما فيه من تناقضات، ولكن الاختلافات اليسيرة على مستوى لون البشرة وحجم وشكل جباهنا وانوفنا وعيوننا.. اوجدت هذا التنوع الهائل بين مئات ملايين الوجوه

 

واشير هنا الى بعض المفردات التي تشكل ما يشبه فلسفة ومنطلق مسألة الاختلاف: التطابق، الانغلاق، التوافق

 

 

عقم التطابق:

 

حين نرى تطابقا في الآراء والمواقف لدى شعب او جماعة او حزب.. فهذا مخالف لسنة الله تعالى، وهو يشير في أحيان كثيرة الى شيئي:

الأول: هو القهر والسيطرة من قبل بعض الفرقاء مما مكنهم من اسكات الأخرون او جعلهم تابعين لهم ويظهرون تأييدهم، فكيف لفرد فاقد الشعور بالحرية او بالذات الفردية ان يستطيع المساهمة في نماء المجتمع؟

 الثاني: هو التقليد الاعمى من فئة لفئة أخرى، أيضا السؤال هنا هو عندما نفقد المقدرة او الرغبة بالتفكير ورؤية الافاق الممتدة كيف لنا ان نكون ذو تأثير وأثر في المجتمع وان نكون أعضاء فاعلين في جماعة ما، الأمر الذي يبعدنا عن دائرة الوجود ويجعل مننا مجرد اعداد تزيد في حجم التراكم المجتمعي لا اكثر وهذا يفقدنا القدرة على التفكير بالمنطلق العلمي والاعتماد الدائم على تفسيرات غير علمية وغير مسندة ببراهين وادلة.

 

التوافق:

 

هو المجتمع الذي يقوم على مبدأ التنوع والاعتراف بالأخر, فكرته هي ان الافراد برغم الاختلاف في الدين والطائفة والعرق والفكر الا انه هناك دائما نقاط مشتركة يتفقون على إقرارها جميعا لوجود طريقة

للتعايش ضمن قواعد مشتركة وهو مجتمع يتسم بالمرونة الثقافية والسلام الاجتماعي

 

الانغلاق:

 

هو ذلك المجتمع الذي يقوم على الانغلاق الفكري والثقافي ويتسم بغياب للحوار الشامل واحادية الهوية غالبا والخوف من الاخر، حيث لا نرى اعمال تعاونية ومشتركة في صالح المصلحة العامة وتتسم

الاعمال حتى المجتمعية فيه بالطابع الفردي

 

نحن ندرك أهمية الوعي لكننا لا ندرك أن الاختلاف من مصادر نضج الوعي فكلما كان هناك اختلاف فتح لنا المجال لمعرفة الخصائص والميزات والفرص والتحديات التي لدينا وبالتالي

 

الانطلاق من الوعي الذاتي للوعي الجمعي الذي يساهم في العمل على ما تم معرفته سواء بالتطوير أو بالمساهمة

 

 

فنحن في حاجة ماسة الى فهم مشروعية الاختلاف وفوائده حتى نمنح نوعا من المشروعية الابتدائية لوجود المختلف عوضا عن محاربته والخوف منه حيث اننا من خلال الإقرار بالمشروعية للاختلاف نمنح الاعتراف

بالفروق التي تجعلنا مختلفين فنحول المختلف من شاذ ومعاد الى عنصر مؤطر في منظومة ثرية ومنتجة وبالتالي نسمح لتكوين العلاقات بين الجماعات على ان تكون مساهمة في تطوير وتأطير وتوضيح العمل ضمن

المجتمع

 

نحن دائما نقول إن الوعي بالذات فرع من الوعي بالأخر وبهذا فأن التشابه والتطابق لا بد له ان يخلق فينا شيئا من الخوف تجاه اثرهما فوجودهم يدلنا على الانغلاق إضافة الى التكرار ونفاذ الابداع وهذا ما يجعل المجتمع

عرضة للتفكك من عدة جوانب وهي ما نبحث عنها في موضوعنا , فعندما نجد المجتمع توقف افراده على نفس الاحتياجات ونفس العادات ونفس الأعراف وذات نمطية العيش هذا يدل بدوره على البدء بمحدودية عمل

النشاط الاقتصادي وازدهاره أي ان المجتمع بدء يعاني من تهديدات حول الازدهار والتوسع والنماء كلها تصبح محدودة في حين انها أيضا تؤول الى التراجع وعودة المجتمع الى الطبيعة البديئة التي تخالف التفكير والتطور

ما يجعل عدة أسئلة تراود اذهاننا، كيف يحقق الاختلاف بيئة تحمل جاهزية أكبر للتماسك؟؟ وكيف يمكن للاختلاف ان يكون أحد عوامل الدعم وعلى وجه الخصوص الجانب الاقتصادي وبناء العلاقات بين الجماعات؟؟

ان من أسباب الاختلاف التركيب العقلي والخلفية الثقافية ونظم اللغة وفهم الواقع فنحن غالبا ما نسعى الى تفسير ما نراه في الواقع المعيش من خلال سبب او عامل واحد وذلك لعدم ادراكنا تشابك العوامل في ولادة

ظاهرة ما داخل المجتمع

 

أهمية الاختلاف في بناء التماسك:

 

يشكّل الاختلاف أحد المرتكزات الجوهرية في تعزيز عملية التماسك داخل البنى الاجتماعية والفكرية, إذ لا يقوم التماسك على أحادية الرأي او تماثل المواقف بقدر ما يتأسس على قدرة الجماعات على استيعاب التنوع

وادارته بصورة بنَاءة فالاختلاف بوصفه تعبيراً عن تعددية الانتماءات والرؤى, يسهم في إثراء التفاعل الاجتماعي ويتيح إمكانات  أوسع لإنتاج المعرفة وتطوير الحلول الجماعية, كما أن توظيف الاختلاف في إطار من الحوار

المؤسسي والاعتراف المتبادل يعزز من دينامية النسيج المجتمعي, ويحول دون الانغلاق أو التصلب الفكري ومن هذا المنطلق يغدو الاختلاف آلية ضرورية لتحقيق التكامل والتوازن داخل المجتمع, حيث يتيح لكل فرد أو

فئة الشعور بالانتماء والمشاركة دون إلغاء خصوصيته , الأمر الذي يجعل التماسك نتاجاً لجدلية التنوع والوحدة معاً.

 

الخاتمة:

 

بعد توضيح البناء الاجتماعي وعلاقات الجماعات داخل المجتمع وكيفية تحصيلها على الاستقرار والتوازن وكيف انه لابد من معرفة معوقات العلاقات السوية وأدراك انه لا يعني ان نصل الى المجتمع المتماسك من خلال

التطابق الفكري والعملي والتشابه الكبير في القيم والمعتقدات وان نكون ذو تكرار فقط بل ان المجتمع يزداد تماسكه من خلال الاجتماع على تلك الاختلافات الفردية وجعلها تتكون لتشكل عالم من الجماعات المتحدة

التي تساهم بشكل مباشر في تكوين المجتمع وازدهاره وذلك عن طريق ان ندرك أولا ان الخطوة الأولى في التعامل مع الاختلاف تتمثل في ان يتم الاعتراف بوجوده ,وذلك لان من المعروف تاريخيا وموضوعيا الهاجس

المهيمن على كثير من المجموعات ولا سيما منها الاهلية هو هاجس التلاحم والتضامن والوحدة والتقارب وهذا يدفعهم الى نوع من الانكار للفروقات والتباينات السائدة بينهم , وهذه يؤدي من جهته الى طمس الاختلاف

وادعاء عدم وجوده

 

 

 

شارك المقال :

فيسبوك
واتسأب
تلجرام
اكس (تويتر)

مقالات قد تعجبك :

عقد مركز سوريا للدراسات والتنمية ندوة حوارية بعنوان “الموقف الأمريكي تجاه سوريا في ظل خطاب الرئيس السوري في الأمم المتحدة”…
التعصب القومي جدار عازل يُطفئ نور الأمة ويبعثر قوتها، أما العقيدة الجامعة فهي الجسر الذي يوحّد تنوعها ويُشعل حضارتها من…
تصعد تركيا ضد إسرائيل عبر مقاطعة تجارية ودبلوماسية نشطة ودعم قانوني دولي، كما تعزز نفوذها الإنساني والجيوسياسي وتدفع نحو إقامة…

القائمة