بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول / ديسمبر 2024، وسيطرة قوات الثورة السورية والفصائل المسلحة على العاصمة دمشق، شنّ الكيان الصهيوني سلسلة غارات جوية مكثفة استهدفت البنية العسكرية المتبقية لسوريا.
تركزت الضربات على المطارات العسكرية، ومستودعات الصواريخ والذخائر، ومراكز العتاد الثقيل، في كل من دمشق وريفها، إضافة إلى مناطق استراتيجية في حمص، وحماة، واللاذقية، ومعامل الدفاع في ريف حلب، والمرافئ العسكرية في الساحل السوري.
كما قام الكيان الصهيوني بعدد من التوغلات المحدودة داخل ريفي القنيطرة ودرعا، وذلك عبر استغلال لحظة الفراغ الأمني والعسكري في البلاد.
والهدف الإسرائيلي من خلال هذه الضربات تفكيك ما تبقى من الترسانة العسكرية السورية، ومنع نشوء أي قوة وطنية جديدة قد تمثل تهديداً مستقبلياً.
مفهوم التطبيع وأبرز أشكاله:
التطبيع: مصطلح مستورد من الإنكليزية (Normalization)، أما جذره العربي فمختلف عن المفهوم السياسي المعاصر، فبينما تدل كلمات مثل “الطبع” و”الطبيعة” على الفطرة والسجية والعادة، فإن “التطبيع السياسي” معناه محاولة قسرية إجبارية لجعل ما هو غير طبيعي – كالعلاقة مع العدو – أمراً عادياً ومقبولاً.
أشكال التطبيع:
التطبيع السياسي والدبلوماسي: كفتح السفارات والتعاون الأمني والاقتصادي.
التطبيع الثقافي والرياضي: عبر مشاركة الإسرائيليين في المسابقات الرياضية كالسباحة وكرة القدم والسلة والقدم.
التطبيع الإعلامي: عبر استضافة ناطقين إسرائيليين بالعربية على وسائل الإعلام العربية، ومن أهم هذه الشخصيات آفيخاي أدرعي وإيدي كوهين.
التطبيع الديني: اتفاقيات أبرهام، نسبة إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام وتحاول تسليط الضوء على الروح المشتركة بين الديانات والشرائع السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام.
أهداف إسرائيل الحقيقية من التطبيع مع الدول العربية والإسلامية:
– كسب المشروعية والاعتراف.
– السيطرة على مراكز صنع القرار العربي بما يحقق المصلحة الإسرائيلية أولاً وأخيراً.
– التنسيق الأمني ضد المقاومة الفلسطينية لمنع أي تحرك شعبي أو سياسي أو عسكري داعم لفلسطين.
– استنزاف الموارد ونهب الثروات العربية عبر اتفاقيات التعاون الاقتصادي والاستثماري.
– سرد وجهة النظر والمظلومية الإسرائيلية الكاذبة وتبرير جرائمها، عبر الخروج على الإعلام العربي.
– ضمان وجود جواسيس وطوابير صف خامس، لضرب أهداف أمنية في تلك الدول، عبر تسهل مرور الصهاينة في الدول المطبعة واختلاطهم مع الشعوب العربية.
– تدمير المجتمعات العربية أخلاقياً وجسدياً حيث ينقل مرض الإيدز للشعوب العربية عبر السائحات الإسرائيليات كما حصل في مصر العربية وفق بعض المصادر غير الرسمية.
مكاسب التطبيع وخسائره
قراءة في أبرز الدول العربية المطبعة مع الكيان المجرم ومكاسبها:
سارت عدة دول عربية في مسارات سلام ومعاهدات تطبيع مع الكيان الإسرائيلي، بدوافع متنوعة شملت وعوداً بالأمن، والدعم الاقتصادي، وتحقيق مصالح استراتيجية خاصة بكل دولة، غير أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل حققت هذه الدول فعلاً ثمار تلك الاتفاقيات؟ وهل نالت تلك الدول المصالح الخاصة التي سعت للتطبيع بناء عليها؟
مصر – اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية السلام 1978
البنود: نصت المعاهدة على انسحاب إسرائيل من سيناء، مع ضمان عدم وجود تهديد عسكري على مصر وحدودها.
الواقع: القوات الإسرائيلية تنشط في رفح على الحدود المصرية مخالفة للاتفاق الموقع، بينما الإعلام العبري يروّج لفكرة توجيه ضربات استباقية لمصر وجيشها.
السلطة الفلسطينية واتفاقية أوسلو 1993
البنود: إنهاء الصراع وبناء حكم فلسطيني ذاتي وانسحاب إسرائيل من الضفة وغزة.
الواقع: إبادة ممنهجة وقصف عنيف وحصار لغزة، وهدم للمنازل ومئات الشهداء والجرحى في الضفة الغربية، فكانت عملية السلام حبراً على ورق.
الأردن – معاهدة وادي عربة 1994
البنود: وقعت المعاهدة بناء على الأمن مقابل السلام ونصت على إشراف الأردن على الشؤون الدينية في القدس.
الواقع: لا سلطة للأردن على المقدسات الإسلامية حيث اقتحم أكثر من 45 ألف مستوطن مجرم المسجد الأقصى هذا العام بغطاء رسمي من وزراء حكومة نتنياهو المتطرفين، في مخالفة صريحة لبنود المعاهدة مع الأردن.
الإمارات – اتفاق إبراهام (2020):
البنود: نفذ التطبيع بوعود الحصول على مقاتلات F-35 الأمريكية.
الواقع: لم تسلم هذه المقاتلات حتى اليوم، حفاظاً على التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة، في تجاهل تام للشروط التي أقرتها الاتفاقية.
البحرين – سبتمبر 2020:
البنود: وقّع التطبيع في سياق الحماية من التهديد الإيراني.
الواقع: لا ضمانات أمنية حقيقية للبحرين وفي حال أي تصعيد فعلي من إيران، فإن البحرين تبقى هدفاً مكشوفاً سهلاً كغيرها لإيران، فلا فائدة تذكر من هذه المعاهدة.
السودان – أكتوبر 2020:
البنود: التطبيع مقابل شطب السودان من قائمة الإرهاب.
الواقع: لم يرفع اسم السودان من قوائم الإرهاب حتى دفعت نحو 300 مليون دولار، في مخالفة جوهرية للأسس التي قامت عليها المعاهدة.
المغرب – ديسمبر 2020:
البنود: الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء.
الواقع: تم الاعتراف الأمريكي بها لكنه اعتراف لم يغير المعادلة في مواقف القوى الكبرى أو الأمم المتحدة، وبقية قضية الصحراء لليوم محكومة بالتوازنات والابتزاز الدولي تجاه المغرب.
التصريحات الرسمية للقيادة السورية تجاه إسرائيل:
– لا نريد أي صراع مع أحد والوضع لا يسمح بهذا وتوجهنا نحو الداخل وبناء المؤسسات والإعمار
– لن تكون سوريا نقطة صراع للعنف تجاه دول الجوار ومنها إسرائيل
– هناك مفاوضات غير مباشرة عبر بعض الأطراف مع إسرائيل لمنع التصعيد وإيقاف الخروقات الإسرائيلية
– جوهر المفاوضات العودة إلى اتفاقية فك الاشتباك أو فصل القوات عام 1974 ونطالب بعودة المراقبين الأمميين
– سوريا غير مستعدة للسلام مع إسرائيل
من هذه التصريحات يفهم الموقف السوري بعدم رغبته بالتطبيع، وبعدم رغبته بالتصعيد، بل بالانكفاء على البلاد وترتيب الشؤون الداخلية للدولة السورية.
أسباب استحالة السلام والتطبيع السوري مع إسرائيل على خلاف الدول الأخرى:
لسوريا وضع خاص مختلف عن جميع الدول العربية، فهي ليست الإمارات أو البحرين أو مصر أو السودان أو المغرب لذلك فإن قرارتها مختلفة تماماً عن بقية الدول لأسباب عديدة أهمها:
1- طبيعة نظام الحكم في سوريا عن بقية الدول:
جميع الأنظمة التي طبعت مع الكيان الإسرائيلي أنظمة وملكيات استبدادية لا تمثل شعوبها، ولا تهتم برأيه تجاه التطبيع، أما النظام في سوريا الذي جاء بعد التغيير ونجاح الثورة، هو نتاج لإرادة شعبية يظهر اهتماماً بموقف الشارع السوري، مما يجعل خيانته للقضية الفلسطينية أمراً مستبعداً، سواء لطبيعة قيادته أو لرفض شعبه القوي للتطبيع
2- الأراضي السورية المحتلة ( الجولان السوري )
لا توجد أي دولة من الدول المطبعة قامت إسرائيل باحتلال أراضيها، باستثناء سوريا التي فقدت سابقاً هضبة الجولان، والتي تقدر مساحتها بحوالي 1500 كم، ولن يتحقق السلام من دون عودة هذه الأرض المحتلة، وهو أمر مستحيل الحدوث في ظل التصريحات الإسرائيلية الرافضة لتسليم الجولان والخروج منه.
3- تجربة ودروس الثورة السورية:
انطلقت الثورة السورية من أجل تحقيق العدالة والحرية وتحرير البلاد، لكنها تعرضت لأبشع أنواع القمع والإبادة تماماً كغزة، حيث تم القصف بالأسلحة الكيماوية والحارقة، وتعرض لهجمات جوية بالراجمات والصواريخ العنقودية والبراميل المتفجرة، كما فُرض عليه حصار شامل على الطعام والدواء، حتى مات الأطفال برداً وجوعاً وقُصفت المدارس والمشافي وهذا تماما حال أهلنا في غزة اليوم.
نشعر من داخلنا بالقهر والظلم الذي يعانيه أهلنا في الضفة وغزة، ولذلك لن نقبل أي تحالف أو تقارب مع المجرمين الذين نراهم امتداداً لنظام بشار الأسد وعصابته المتوحشة في الإبادة والإجرام.. فمن ذاق القهر والظلم لن يقبل به للآخرين.
والآن سنذكر بعض الاستفتاءات الشعبية التي أجريناها على عينات مختلفة من المجتمع السوري، تسلط الضوء على وعي شعبنا وتنبهه تجاه إجرام دولة الاحتلال.
الاستفتاء الأول: الموقف من السلام مع إسرائيل.
شارك بالاستفتاء الأول: 1340 شخصاً، كانت النتائج 93 % يرغبون بتجميد الحدود، مقابل 7 بالمئة يريدون التطبيع والسلام
الاستفتاء الثاني: نظرة السوريين إلى إسرائيل.
وشارك بالاستفتاء الثاني: 943 شخصاً، كانت النتائج 97% يرون إسرائيل كياناً إرهابياً عدواً، مقابل 3% يرونها دولة صديقة
4- الأسباب الدينية:
فلسطين قضية إسلامية لا تخص الحدود الإدارية لشعبها فقط، بل هي قضية كل مسلم، فنصرتهم ومساندتهم بكل الوسائل المتاحة فرض ديني، وواجب إسلامي، والتقصير في هذا المجال حرم! فكيف الخيانة ومساندة العدو في قتلهم وحصارهم، وما يحمله الشعب السوري للعشب الفلسطيني الشقيق ليس مجرد تعاطف فقط، بل هو التزام ديني راسخ.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) رواه مسلم، لا يسلمه: لا يساعد عدوه عليه
خلاصة ما سبق: من خصوصية الوضع السوري، وطبيعة نظام الحكم الذي يعكس إرادة شعبه، وكون الأرض المحتلة (الجولان) قضية جوهرية لا يمكن تجاوزها، إضافة إلى تجربة الثورة السورية المؤلمة، والأسباب الدينية التي تجعل نصرة فلسطين واجباً شرعياً لا يجوز التفريط فيه، كل تلك العوامل عززت الرفض الشعبي لأي تطبيع أو سلام، وعليه فإن احتمالية وقوع تطبيع بين سوريا والكيان الإسرائيلي مستبعدة ومستحيلة وكل من يقول بها أما أصابه الجنون أو الدجل السياسي.
ماذا لو فرض السلام على سوريا وقيادتها الجديدة بالقوة والنار:
1- في حال التوقيع:
- أي توقيع للتطبيع أو لأجل السلام سيكون خيانة للقضية الفلسطينية ولغزة خاصة وللشعب السوري عامة.
- التوقيع بمثابة انتحار سياسي لقادة سوريا الجدد، وسيفقدهم المشروعية أمام الشعب السوري
- خروج مظاهرات شعبية غاضبة وعصيان مدني يعم المدن السورية ويدعو لتغير الحكم فيها.
- قبول التطبيع بالقوة والنار سيتبعه خطوة في فرض المزيد من الإملاءات الخارجية والاستحواذ على مركز صنع القرار السوري.
- السلام في حالة الضعف هو اتفاق ذل ومهانة، ولن يسلم من الخروقات والانتهاكات المستمرة، ولبنان مثال واضح على الخروقات المتكررة شبه اليومية في سمائه.
2- في حال الرفض:
- تلاحم جماهيري غير مسبوق يعزز شرعية القادة الجدد في المرحلة الانتقالية والمرحلة التي تليها.
- تصاعد العزلة الدولية والضغط على إسرائيل في حال اللجوء لفرض تسوية بالقوة أو مغامرة عسكرية متهورة.
- ستقف تل أبيب عاجزة عن زعزعة الاستقرار في سوريا خوفاً من ترامب الذي يدعم توجهه الحالي الدولة السورية، ويتعامل معها كممثل شرعي وصمام أمان وحيد لسوريا وشعبها.
- إن رفع ترامب للعقوبات خطوة استراتيجية تلزم إسرائيل بالموافقة على الشروط السورية بالعودة لمعاهدة فصل القوات أو فك الاشتباك عام 1974، للحد من التوترات ومن الفوضى في المنطقة.
التوصيات:
الاعتماد على المصادر الرسمية السورية كمصدر رئيسي للمعلومات.
المقاطعة الإعلامية لوسائل البث الإسرائيلية الناطقة بالعربية عبر حملات جماعية.
تعزيز الوعي الشعبي عبر الخطاب الديني والاجتماعي بقضية فلسطين وأهمية رفض التطبيع بكل أشكاله.
الضغط على الحكومات العربية لاتخاذ مواقف واضحة وحازمة ضد التطبيع مع إسرائيل.
سرعة تنفيذ اتفاقية دفاع مشترك مع تركيا لتعزيز السيادة السورية وردع أي اعتداء خارجي
استمرار عملية مقاطعة الشركات الداعمة لهذا الكيان المجرم في حربه على الأشقاء في غزة.