إيران على بوابة دمشق

لم تتراجع إيران في سوريا والعراق، بل تعيد ترتيب أوراقها، لكن لا تفعل ذلك من موقع الضعف أو الانكفاء، بل من منطلق التحول والتكيّف الذكي مع التغيرات.

فطالما أن النظام الإيراني لم يسقط، فخطر إيران لا يزال قائماً وخطرها ليس فقط سلاحها النووي بل أكبر من ذلك وأعقد.

 

ففي العراق، لا تزال الهيمنة الإيرانية قائمة بوضوح، والمليشيات التابعة لها لم تتفكك، والنفوذ السياسي والأمني ما زال تحت مظلتها ومازالت إيران تعتبر العراق عمقاً استراتيجيا لها، ولن تتخلى عنه بسهولة.

 

أما في لبنان، فحزب الله قد يكون تلقى ضربة كبيرة في الحرب الأخيرة، لكن لا يعني هذا زواله، حتى لو ضعف في بنيته، فالحزب لا يزال موجوداً حتى لو لم يعد يغطي كافة الجغرافية اللبنانية، فهو يعيد ترتيب صفوفه حالياً، وطالما أن بنيته التنظيمية لم تُفكك، فإن إيران لا تزال ممسكة بورقة لبنان، وتنتظر اللحظة المناسبة للعودة بخطاب جديد وربما بأسلوب مختلف.

 

أما على الخارطة السورية فهي المحور الأكثر تعقيداً في الوقت الحالي بالنسبة لإيران، ومع ذلك فالوضع ليس انكفاء بل إعادة تموضع، فإيران تسعى لاحتواء المعارضين والمتضررين من النظام الجديد، لا من باب المصالحة، بل كمدخل لاختراق النسيج السوري من جديد وبث الفتنة بين المجتمع الواحد، خاصة أن لها حلفاء من شيوخ عشائر وقوى تقليدية معروفة في الشرق والجنوب والساحل السوري، وهؤلاء يشكّلون بوابات محتملة لإيران لتعود من خلالها بثوب جديد وخطاب أكثر نعومة.

 

والأخطر من ذلك:

لو أقدمت الحكومة السورية الجديدة على توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، فإنها بذلك ستكون قد قدّمت أكبر هدية لإيران، فالشعب السوري، بتكوينه الثقافي والوطني، لا يقبل إسرائيل كدولة صديقة، وقد تربى جيلاً بعد جيل على أن إسرائيل عدو، وفي حال تم هذا السلام، فإن إيران ستستغله مباشرةً لتقديم نفسها كـ”حامية” للقضية الفلسطينية، و”المدافع” عن كرامة العرب والمسلمين، ما يمنحها فرصة ذهبية للعودة بقوة إلى شارع الأقليات السوري.

 

إيران لم تنكفئ، بل غيرت جلدها السياسي والأمني، والثغرات في دول الطوق لن تُغلق إلا بوعي سياسي حقيقي، وإدراك عميق لأساليب إيران الجديدة، فإيران حين تتراجع خطوة، فإنها غالباً تستعد للقفز ثلاثاً، ولكن بثوب مختلف.

 

شارك المقال :

فيسبوك
واتسأب
تلجرام
اكس (تويتر)

مقالات قد تعجبك :

حوار سياسي تناول تحديات العمل الحزبي وآفاق التعددية السياسية في سوريا المستقبل….
حين يصبح السؤال: لماذا توقفت المعونة؟ بدلًا من: كيف أبدأ أعمل؟ نعرف أننا أمام أزمة وعي لا أزمة مال…
ترفض سوريا التطبيع مع إسرائيل رفضاً قاطعاً يستند إلى تجربتها الثورية واحتلال الجولان، إضافة إلى الدعم الشعبي والديني الراسخ لقضية…

القائمة