النفوذ التركي في غزة: البعد السياسي والإنساني

يؤكد البرفسور التركي حسام الدين إيناتش، أن تركيا تبنّت أقوى موقف إقليمي ضد إسرائيل، إذ دعت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إلى اجتماعات طارئة عقب السابع من أكتوبر 2023، واقترحت فرض

حظر شامل على إسرائيل، غير أن الاقتراح سقط بفعل اعتراض دول عربية مثل السعودية والإمارات والمغرب والبحرين. رغم ذلك، قطعت أنقرة جميع علاقاتها التجارية مع تل أبيب، وامتنعت عن استقبال السفن

الإسرائيلية في موانئها، كما كثّفت تحركاتها الدبلوماسية على الساحة الدولية بدعم مباشر من الجزائر وقطر.

 

ويشير إلى أن الرأي العام التركي يطالب الدولة بموقف أكثر حزماً، ويدعو إلى مقاطعة شاملة للمنتجات الإسرائيلية، غير أن أي تدخل عسكري تركي محتمل يبقى مرتبطاً بتحالفات إقليمية معقّدة، خصوصاً مع المواقف

الحذرة لدول الجوار مثل مصر والأردن. وعلى الرغم من أن أنقرة تؤكد الطابع الإنساني في موقفها من غزة، إلا أن حضورها الجيوسياسي، خاصة بعد الحرب في أوكرانيا، يمنحها نفوذاً إضافياً تسعى لتوظيفه لصالح القضية

الفلسطينية، وهو ما جعلها هدفاً لحملات إسرائيلية متصاعدة.

 

كما يوضح إيناتش أن تركيا لم تكتف بالتصريحات، بل انضمت إلى الدعاوى القانونية الدولية التي تقودها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. غير أن هذا التوجه ليست له كلفة

سياسية فقط، بل اقتصادية أيضاً، في ظل الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد واعتماد صادراتها على السوق الأوروبية. ومع ذلك، فإن خصوصية علاقاتها داخل حلف الناتو، وحاجات أوروبا الأمنية والطاقوية، تمنحها قدرة على

المناورة بدرجة أكبر من غيرها. بل إن المخابرات التركية، بحسبه، لعبت أدواراً خفية في حماية قيادات حماس عبر توفير معلومات استباقية عن هجمات إسرائيلية.

 

ويضيف الباحث أن تركيا اليوم تلعب دوراً فاعلاً إلى جانب مصر وقطر في جهود وقف إطلاق النار، وهو امتداد لدورها في حماية قطر من العزلة الخليجية عام 2017، ولسياستها الأخيرة في تطبيع العلاقات مع القاهرة.

وتطرح أنقرة رؤية واضحة للحل النهائي، تقوم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس، مع الاعتراف بحماس كحركة مقاومة مشروعة وضرورة تحقيق المصالحة بينها وبين حركة فتح.

ويخلص إيناتش إلى أن دوافع تركيا في موقفها من غزة تتوزع بين البعد الإنساني الذي ينسجم مع دورها كأحد أكبر المانحين للمساعدات، والبعد الحضاري المرتبط برؤية أردوغان لاستمرارية الدور التاريخي للأتراك في

حمل راية الإسلام، فضلًا عن البعد السياسي الواقعي الذي يرفض فكرة “العثمانية الجديدة”، ويرتكز بدلًا من ذلك على مبدأ الربح المتبادل ونشر الاستقرار والسلام في المنطقة.

 

شارك المقال :

فيسبوك
واتسأب
تلجرام
اكس (تويتر)

مقالات قد تعجبك :

عقد مركز سوريا للدراسات والتنمية ندوة حوارية بعنوان “الموقف الأمريكي تجاه سوريا في ظل خطاب الرئيس السوري في الأمم المتحدة”…
التعصب القومي جدار عازل يُطفئ نور الأمة ويبعثر قوتها، أما العقيدة الجامعة فهي الجسر الذي يوحّد تنوعها ويُشعل حضارتها من…

القائمة