الدولة السورية.. قراءة استراتيجية للتحديات الداخلية والخارجية ومسارات الحلول

بعد مرور 175 يوماً، أي ما يقارب خمسة أشهر على تسلّم الحكومة الانتقالية مهامها، تمكن قادة سوريا الجدد من تحقيق جملة من المكتسبات متمثلة ملء فراغ السلطة، والحفاظ على السلم الأهلي، والانطلاق في بناء مؤسسات الدولة، ووضع أسس بنية اقتصادية تنموية، واستعادت سوريا لمركزها الإقليمي والدولي وقد انعكس ذلك في عودة ما يقارب مليوني نازح والبدء بإغلاق المخيمات، واستقطاب مشاريع تنموية واستثمارية تقدَّر بـ 40 مليار دولار، إلى جانب تأسيس هيئة العدالة الانتقالية وتوسيع صلاحياتها الإدارية والمالية وإطلاق حرية الإعلام والتعبير والعمل السياسي.
ورغم هذه الإنجازات، برزت تحديات كبرى على المستويين الداخلي والخارجي، جعلت من الحراك الدبلوماسي ضرورة لتعزيز الوضع الوطني

فخلال تسعين يوماً، من حزيران/يونيو وحتى آب/أغسطس، قاد السيد الشيباني أكثر من 125 جولة ولقاء وزيارة دولية، أفضت إلى توقيع مذكرات تفاهم، جسّدت حيوية التحرك الخارجي وسعي الحكومة إلى دعم المرحلة الانتقالية وتعزيز حضور سوريا الإقليمي والدولي.

 

 

 

التحديات الاستراتيجية والسياسية للدولة السورية:


أولاً: إعادة التموضع والتموقع الإقليمي لسوريا

في عهد الأسدين الأب والابن، اختارت دمشق الانحياز إلى المحور الإيراني على حساب انخراطها الطبيعي في المحيط العربي مما ترك انعكاسات عميقة على السياسة السورية وعلاقاتها الإقليمية ما أدى إلى:

  • تعزيز النفوذ الإيراني في القرار السوري السياسي والعسكري والأمني، حتى باتت دمشق جزءاً من منظومة إقليمية تقودها طهران.
  • تراجع مكانة سوريا العربية وانقطاع جسور الثقة بينها وبين الدول العربية بل تحولت العلاقات إلى عداء وكيد.

في مرحلة ما بعد الأسد، أصبح إعادة التموضع الإقليمي ضرورة ملحة لسوريا الجديدة، بما يضمن استقلال القرار السياسي واستعادة مكانتها كفاعل محوري في المنطقة، وقد نجحت سوريا في بناء علاقات ودية وحسن جوار مع دول المحيط كافة، مع إدارة التنافس الإقليمي القائم بين بعض الدول الداعمة، فقد عملت الحكومة الجديدة على إمساك العصا من الوسط، والخروج من لعبة المحاور التقليدية السابقة، والسعي إلى تقريب وجهات النظر ومنع التصادم على التراب السوري، بما يعزز الاستقرار الداخلي ويعيد لسوريا دورها كدولة متوازنة وقادرة على الحوار الإقليمي البنّاء وخاصة كما يظهر جلياً اليوم بين تركيا وبعض دول الخليج ومصر.

 

ثانياً: إعادة التموضع والتموقع الدولي لسوريا

تسعى الدبلوماسية السورية اليوم إلى إعادة التموضع الدولي واتباع سياسة اللعب بين المحاور بعد أكثر من نصف قرن من الانحياز للمعسكر الشرقي وبوتين ومقاطعة الغرب، وهو انحياز كلّف الشعب السوري أثماناً سياسية واقتصادية وعسكرية باهظة.
وتعتمد الإدارة الجديدة سياسة خارجية متوازنة تقوم على الانفتاح على الجميع: روسيا والصين والولايات المتحدة، بما يهدف لحماية المصالح الوطنية واستقلال القرار السياسي.

وهنا تبرز معادلة دقيقة في التوجه السوري:

  • مرونة أكبر مع واشنطن باعتبارها القوة العالمية الأساسية وبوابة التعافي الاقتصادي.
  • حذر مع موسكو بسبب إرث الانتهاكات السابقة ورفضها تسليم الأسد لليوم.

ويأتي هذا التموضع في ظل صراع نفوذ متجدد، حيث عرضت روسيا دعمًا عسكرياً وجوياً وبرياً لدعم دمشق في ملف قسد والسويداء وإيقاف التوغل والتغول الإسرائيلي في الجنوب، واستخدام ورقة الفيتو في مجلس الأمن لصالحها مقابل نفوذ استراتيجي في سوريا [1] ، فيما سارعت واشنطن إلى الرد عبر زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية الأدميرال كوبر، مؤكدًا أن دمشق شريك أساسي في محاربة الإرهاب، وداعياً لدمج جميع الفصائل المسلحة ضمن الجيش السوري. [2] [3] 

 

ثالثاً: التهديدات الإسرائيلية


بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول / ديسمبر 2024، وسيطرة قوات الثورة السورية والفصائل المسلحة على العاصمة دمشق، شنّ الكيان الصهيوني سلسلة الغارات الجوية المكثفة استهدفت البنية العسكرية المتبقية لسوريا، لم يكن دافعها هواجس أمنية بل غايات توسعية دينية متطرفة، بلغ عددها أكثر من 1000 غارة غادرة، تركزت الضربات على المطارات العسكرية، ومستودعات الصواريخ والذخائر، ومراكز العتاد الثقيل، في كل من دمشق وريفها، إضافة إلى مناطق استراتيجية في حمص، وحماة، واللاذقية، ومعامل الدفاع في ريف حلب، والمرافئ العسكرية في الساحل السوري. [4]

كما قام الكيان الصهيوني بعدد من التوغلات البرية داخل ريفي القنيطرة ودرعا وصل حجم التوغل البري ل 25 كم، مسيطرة بذلك على مساحة تقدر ب 400 كم مستغلة حالة الفراغ الأمني والعسكري في البلاد. [5]

والهدف الإسرائيلي من خلال هذه الضربات تفكيك ما تبقى من الترسانة العسكرية السورية، ومنع نشوء أي قوة وطنية جديدة قد تمثل تهديداً مستقبلياً.

 

أهداف إسرائيل في سوريا:

1- إضعاف دمشق ومنع إعادة بناء جيشها لتضمن بذلك تحييد أي قوة وتهديد مستقبلي لها.

2- فرض مشروع تقسيم فعلي لسوريا وخاصة في الجنوب السوري.

 

3- الحفاظ على المكتسبات والثروات المائية والأراضي الشاسعة التي سيطرت عليها عقب سقوط نظام الأسد. [6]

 

4- الضغط على دمشق لإجبارها على توقيع اتفاقيات سلام وتطبيع تضمن بذلك خدمة ورعاية مصالحها الأمنية والسياسية إقليمياً. [7]

 

5- إيجاد أحزاب وقوى سياسية داخل سوريا تتبع لها، لزعزعت الوحدة والاستقرار السياسي كما واقع الحال في السويداء

 

6- تخفيف الضغط الدولي الناتج عن الجرائم المرتكبة في غزة، من خلال تشتيت الأنظار وخلق أزمات جديدة في المحيط الإقليمي.

 

7- عرقلت جهود الاستثمار وإعادة الإعمار للبنية التحتية والاقتصادية والخدمية في سوريا عبر إخافة رأس المال

 

رابعاً: التحديات الأمنية والعسكرية

في الجانب الأمني والعسكري، حققت أجهزة الاستخبارات والجيش إنجازات متقدمة عبر تنفيذ عمليات نوعية واستباقية أجهضت عدة محاولات إرهابية، وأسفرت عن تفكيك العديد من الخلايا والقبض على أخرى، الأمر الذي عزّز من قدرة الدولة على ضرب التهديدات قبل وقوعها، وقد أظهر استطلاع بريطاني يُعد من أدق الاستطلاعات أن نحو 70% من السوريين يرون أن مستوى الأمن والأمان قد تحسن بشكل ملموس منذ تولي الإدارة الجديدة مهامها.

 

1-التحديات الأمنية:

  • ضعف التدريب والتنظيم والمهنية:

الدولة السورية الجديدة دولة وليدة، وأجهزتها الأمنية محدودة الخبرة، لم يخضع غالبية عناصرها لدورات احترافية أو بروتوكولات تثقيفية تدريبية، وبعد سقوط النظام شهد جهاز الأمن العام انضمام عناصر جديدة بسرعة لتغطية المساحات الكبيرة للدولة، دون تدقيق كافٍ في خلفياتهم أو تقييم جاهزيتهم المهنية، هذا الأمر خلق ثغرات واضحة في التنظيم والانضباط القيادي وأثر على مستوى الأداء المهني، كما انعكس نقص التدريب والتأهيل على قدرة بعض الوحدات الأمنية في إدارة بعض الأزمات والتعامل مع التحديات الميدانية بفعالية، ما جعل بعض المهام أكثر هشاشة وتعقيداً.

 

  • انضمام عناصر مشبوهة للأمن العام:

استغل بعض العناصر الجدد الفرصة لتعزيز مصالحهم الشخصية على حساب الاستقرار العام، متجاوزين دور الجهاز كمسؤولية وطنية، ما تجلّى في ممارسات ابتزازية وتصفية حساباتهم مع المدنيين التي أدت لانتهاكات وتجاوزات مرفوضة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك حادثة اقتحام منزل الشاب عبد القادر ثلجي في حي المزة بدمشق، حيث أظهرت مقاطع فيديو مداهمة عنيفة رافقها إطلاق نار وترهيب، إضافة إلى حادثة مقتل الشاب عبد الرحمن جعجول داخل مخفر الكلاسة بحلب بعد تعرضه للتعذيب، ما يعكس استمرار التجاوزات وسوء إدارة بعض الوحدات الأمنية.

 

  • بناء علاقة جديدة وجيدة مع الشارع السوري بعد سنوات من فقدانها:

 

اعتمد نظام الأسد القمعي على الأجهزة الأمنية لقمع الشعب، فتعرض المواطنون للتنكيل والاضطهاد الإجرامي، ما خلق فجوة عميقة في الثقة بين الدولة والمواطنين، حيث أصبح الشعب السوري ينظر إلى الأجهزة الأمنية كمصدر للخوف والتهديد، وليس كجهة حماية واستقرار، فواجه جهاز الأمن الداخلي الجديد تحدياً مركزياً يتمثل في استعادة هذه الثقة مع الشارع السوري، وإقامة علاقة تقوم على الثقة والتعاون بعيداً عن الأساليب القمعية. [8] [9]

 

تستدعي هذه التجاوزات العمل على إعادة بناء الثقة بين جهاز الأمن العام والمواطنين، عبر تعزيز آليات الرقابة والمساءلة، وتطبيق معايير مهنية صارمة، إلى جانب تدريب العناصر على احترام حقوق المدنيين ومبادئ العمل الأمني المهني. هذه الخطوات ضرورية لضمان أن يصبح الجهاز مؤسسة موحدة وموثوقة، قادرة على فرض النظام وحماية الاستقرار دون الإضرار بالعلاقة مع المجتمع.

 

2- التحديات العسكرية: تشهد سوريا تحديات عسكرية متعددة أبرزها:

 

  • السيطرة على الجغرافية السورية:

تواجه الدولة السورية تحدياً كبيراً في فرض سيطرتها على كامل أراضيها، شمالاً وجنوباً، في الشمال حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على نحو 20-30% من الأرض، وتشمل مناطق استراتيجية غنية بالنفط ومتصلة مع الحدود العراقية والتركية، ما يجعل استعادتها أمراً حيوياً، أما في الجنوب فيرفض الهجري وميليشياته دخول الجيش إلى السويداء، ويطالب بالانفصال والاستقلال، مستقوياً بدعم خارجي إسرائيلي، وففق وول ستريت جورنال فقد ركز رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو جهوده على رفض الطائفة الدرزية ومعاداتهم للحكومة السورية الجديدة، مستعيناً بمزيج من الدبلوماسية والدعم العسكري المباشر وأدوات التأثير السياسي، مع تخصيص ميزانية تقدر بنحو مليار دولار لتحقيق هذا الهدف وذلك منذ الأيام والأشهر القليلة الأولى لتحرير دمشق وهو ما يفسر سبب التصعيد الحاصل في السويداء خلال الأيام الماضية، وجميع ذلك يعقد جهود الدولة في توحيد الأراضي وإعادة السيطرة الكاملة على البلاد. [10]  [11] 

 

  • تهديد الفلول وخلايا داعش:

 

تواجه سوريا تهديدات أمنية مستمرة تتمثل في انتشار مجموعات الفلول في الساحل السوري، ونشاط خلايا داعش في البادية السورية، ما يخلق مناطق غير آمنة وغير مستقرة، وقد تجلّت خطورة هذا الواقع في تنفيذ التنظيم منذ بداية العام 143 عملية إجرامية أسفرت عن سقوط 60 قتيلاً، مما يعكس هشاشة الوضع الأمني ويؤكد الحاجة الملحة لتعزيز القدرات العسكرية وأجهزة الأمن، لضبط هذه البؤر والمناطق وحماية المدنيين، واستعادة السيطرة.

 

  • العقبات المؤسسية أمام الجيش السوري:

 

يواجه الجيش السوري الجديد مجموعة متشابكة من التحديات التي تهدد فعاليته واستقراره.

 

عقائدياً: يمثل التنوع الأيديولوجي للفصائل العسكرية عقبة تتطلب إعادة تأهيل فكري لضمان انسجامها مع العقيدة العسكرية الموحدة.

 

سياسياً: يبرز تحدي تحديد طبيعة العلاقة بين الجيش والمؤسسات المدنية، وتعريف الولاء، ومستوى مشاركة الجيش في العملية السياسية.

 

اقتصادياً: تشكل الكلف التشغيلية العالية – من رواتب ولوجستيات وتسليح – عبئاً ثقيلاً في ظل ضعف الموارد وعدم السيطرة على كامل الأراضي، حيث تصل الموازنة الشهرية لتسيير الجيش إلى نحو مليار ونصف المليار دولار. [12]

 

 

خامساً: التحديات الاقتصادية للدولة السورية:

منذ يوم التحرير وحتى يومنا هذا كانت المؤشرات الاقتصادية في سوريا سلبية جداً، إذ عانت البلاد من ضعف القوة الشرائية، ونقص حاد في العملات الأجنبية، وانعدام الأمن الغذائي، وانكماش سوق العمل، بالإضافة إلى دمار كبير في البنية التحتية وتضرر قطاعات الإنتاج، واستمرار العقوبات على سوريا، أما اليوم، فقد شهدت البلاد تحسناً ملحوظاً، حيث انخفض معدل التضخم من 119% إلى 46%، وتم إنشاء 1,480 مصنعاً ومعملاً جديداً، وجذب استثمارات تزيد قيمتها عن 40 مليار دولار.

 أبرز التحديات التي تواجهها سوريا هي:

 

  • قيود مستمرة تعرقل التعافي الاقتصادي السوري:

رغم رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية مؤخراً عن سوريا، لا تزال هناك قيود على استيراد بعض المعدات الثقيلة، خصوصاً تلك التي تُصنّف على أنها ذات استخدام ثنائي، أي يمكن استخدامها في الأغراض المدنية والعسكرية معاً. هذه القيود تعيق مشاريع البنية التحتية وتبطئ حركة السوق، ما يحد من قدرة الاقتصاد على التعافي ويزيد الضغوط على مختلف القطاعات الحيوية.

 

  • تشوه الثقة في العملة الوطنية:

تتركز أبرز التشوهات في الملف النقدي السوري في ثلاث نقاط رئيسية:

 

انفصال الليرة عن الاقتصاد الحقيقي: لم تعد قيمتها تعكس النشاط الصناعي والإنتاجي في البلاد، بل أصبحت مرتبطة بشكل كبير بالخطاب السياسي والتوازنات الخارجية، لا سيما في ظل العقوبات.

 

انتشار “الدولرة: معظم المعاملات التجارية في السوق المحلية والدولية تتم بالدولار الأمريكي، ما قلل من دور الليرة كوسيط للتبادل ومخزن للقيمة.

 

تعدد السلطات النقدية: اختلاف الجهات المسيطرة في المناطق السورية ما أدى إلى غياب مرجعية نقدية موحدة، مما تسبب في تضارب السياسات المالية وتشوه الأسعار، ما بين ليرة تركية وليرة سورية ودولار.

 

فنجاح أي عملية لحذف من الاصفار من العملة مرهون بوجود جهاز إنتاجي قوي قادر على دعم قيمتها وتعزيز الثقة بها. غير أن الواقع السوري يكشف عن ضعف حاد في القطاعات الصناعية والزراعية، ما يعني أن العملة الجديدة ستفتقر إلى قاعدة اقتصادية حقيقية تستند إليها. وبغياب هذا السند الإنتاجي، تتحول خطوة حذف الأصفار إلى مجرد إجراء شكلي لا يغيّر من جوهر الأزمة النقدية، بل قد يفاقمها.

 

حذف صفرين من الليرة السورية:

1- قد يمنح دلالات سياسية ورمزية.

2-  يُسهل الحسابات والمعاملات.

لكن.. دون إصلاح الإنتاج والزراعة وتوحيد السياسة النقدية، يبقى حذف الصفرين خطوة شكلية تزيد من التشوهات بدل حلها. [13]

 

  • تحديات إعادة الإعمار:

تعاني سوريا من حجم هائل من الدمار بعد سنوات النزاع، حيث تضررت المدن بشكل واسع. ففي حلب، دُمّر أكثر من 35,000 مبنى، وفي إدلب نحو 14,000 مبنى، بينما بلغ عدد المباني المدمرة في دير الزور 6,000 مبنى، وفي الرقة 12,000 مبنى، والغوطة 35,000 مبنى، ليصل إجمالي المباني المدمرة في البلاد إلى نحو 130,000 مبنى.

ويُحدد معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (يونوسات) مستويات الضرر على النحو التالي: المباني المدمّرة بالكامل التي انهار 75% إلى 100% من هيكلها، المباني المتضررة بشدة التي انهار جزء كبير من الهيكل بنسبة 30% إلى 75%، والمباني المتضررة بشكل متوسط التي تعرضت لأضرار محدودة بنسبة 5% إلى 30% من هيكلها. [14]

ويُقدر خبراء أن كلفة إعادة الإعمار تصل إلى نحو 400 مليار دولار أمريكي، ما يشكل عبئاً إضافياً على الاقتصاد السوري، ويضغط على الموارد المالية المحدودة، ويعقد جهود التعافي الاقتصادي، كما يحد من قدرة الحكومة على تحسين الخدمات الأساسية وتنشيط السوق المحلية. [15]

 

 

 

  • البطالة والفقر:

بعد سنوات من الحرب والدمار، بلغت معدلات البطالة والفقر في سوريا مستويات قياسية، حيث صرح وزير الاقتصاد السوري بأن نسبة البطالة تصل حالياً إلى نحو 60%، فيما يعيش نحو 90% من السكان تحت خط الفقر. هذا الواقع يعكس حجم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، ويزيد من هشاشة الأسر، ويعقد جهود التعافي الاقتصادي، كما يضع تحديات إضافية أمام السياسات الحكومية لمحاولة تحسين الظروف المعيشية وتوفير فرص العمل. [16]

 

سادساً: تحديات تطبيق العدالة الانتقالية

العدالة الانتقالية هي مجموعة من الإجراءات القضائية وغير القضائية التي تطبقها المجتمعات بعد فترات العنف أو الحكم القمعي، بهدف معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مثل القتل خارج القانون، الإخفاء القسري، التعذيب، والتهجير. وهي صمام أمان لمنع الانفجار الشعبي، وتعد وسيلة وقائية مستقبلية لضمان السلم الأهلي والعيش المشترك، خاصة مع استمرار وجود نحو 112 ألف مختفٍ قسري منذ 2011. [17]

 

أهم التحديات:

  • ترتيب الأولويات لدى الدولة:

    للدولة أولويات كثيرة متمثلة بالحصول على الاعتراف والشرعية الدولية وضبط الواقع الأمني وتحسين المستوى الخدمي والمعيشي وإعادة الإعمار وغيرها من الأولويات.. مما يجعل قادة سوريا الجدد يقدمون بعض الملفات على بعضها الآخر في الوقت الحالي.

 

  • نقص الموارد وضعف مؤسسات الدولة:                                                                                                                                                                                                                                     تتطلب العدالة الانتقالية توفير تشريعات ناظمة وتأهيل قضاة ومختصين لمحاسبة المجرمين ومحاكمتهم بعدالة بلا ظلم وجور، كما تتطلب توفير أماكن للسجن والعقوبة تحفظ كرامة الإنسان ويعمل فيها على تأهيله ودمجه من جديد في مجتمعه.

 

الضغوط الدولية المتباينة:

يخشى النظام الجديد من توتر بعض العلاقات مع محيطه الإقليمي والدولي جراء قرار البدء بتنفيذ آليات العدالة الانتقالية، وهو الآن يعيش في مرحلة غاية في الحرج إذ يحتاج في استمراريته وتوفير مقومات وجود الدولة السورية إلى علاقة تعاون مع جميع الدول سياسياً واقتصادياً، الأمر الذي يدفعه للتأخر في تنفيذ آليات العدالة الانتقالية، وبشكل خاص مسألة الاستثمار والإعمار التي من شبه المؤكد أن تتعرض لعوائق كبيرة نتيجة المحاسبة، الأمر الذي من شأنه تأخير التعافي في الدولة الوليدة.

 

  • الكم الهائل للانتهاكات وطول الفترة الزمنية:

من أبرز التحديات التي تواجه العدالة الانتقالية في سوريا اليوم هو حجم الانتهاكات الضخم، وتراكمها على مدى سنوات طويلة، فقد عايش السوريون جرائم قاسية، من القتل والاعتقال والاختفاء القسري، إلى التهجير والتعذيب وتدمير البنى التحتية، هذه الانتهاكات لم تقتصر على فترة قصيرة أو طرف واحد، بل امتدت لأكثر من 14 سنة، وتورطت فيها أطراف متعددة داخلية وخارجية، كإيران وروسيا وقوات حزب الله وأكثر من 60 فصيلاً ميليشياوياً عابراً للحدود

هذا الامتداد الزمني الواسع يجعل من عملية جمع الأدلة، وتوثيق الجرائم، وتحديد المسؤوليات أمراً بالغ الصعوبة.

 

  • طمس الحقائق وغياب التوثيق لبعض المجازر:

    مع حجم الانتهاكات الكبير الذي شهدته البلاد، تواجه لجنة العدالة الانتقالية تحدياً صعباً بسبب وجود جرائم ومجازر لم تعرف الجهات المسؤولة عنها بشكل واضح ولم تحدد، وبعضها لم توثق بشكل كامل، بل هناك عدة روايات متعارضة في حصولها، يضاف أيضاً أن بعض المواقع المهمة ومسارح الجريمة مثل فرع الأمن 325 في اللاذقية قد تعرضت للعبث من قبل بعض الجهات المدنية التي قالت إنها تسعى لإعادة تأهيل المكان أو تنظيفه، لكن هذا العبث قد أدى إلى ضياع أدلة مهمة تهدد نجاح التحقيقات، كل هذه الأمور تجعل من عملية العدالة الانتقالية أمراً صعباً ويحتاج إلى تعاون وشفافية بين الدولة والمجتمع وأسر الضحايا. [18] [19]

 

سابعاً: تحديات الانقسام وتآكل الهوية الوطنية

من أكبر التحديات التي تقف أمام الدولة السورية اليوم مسألة الطائفية والفئوية، فخلال سنوات الحرب، استخدم نظام الأسد هذه الورقة بشكل ممنهج، حيث جرى تحريض مكوّنات على أخرى، وزُرع الخوف بين الطوائف والأقليات والأغلبية، وطوال فترة الحرب في سوريا لم تعد الطائفية مجرد شعور اجتماعي ضيق، بل تحولت إلى سلوك يهدد وحدة المجتمع ويهدم أسس العيش المشترك، وتشير دراسة أجرتها جامعة دمشق (2023) إلى أن 47% من المشاركين يرون أن الخوف من “الآخر المختلف” هو السبب الأول لانخفاض الشعور بالأمان المجتمعي، مقابل 28% عزوه لغياب العدالة الاقتصادية، هذه النتائج تكشف أن الانقسام الطائفي بات أخطر من الفقر نفسه على تماسك المجتمع ما يجعل احتمالات العنف وعدم الاستقرار قائمة دائماً، ويضاعف من صعوبة مهمة الدولة في إعادة بناء الثقة وترسيخ السلام الأهلي.

الآثار والمظاهر النفسية والاجتماعية للطائفية:
  • انقسام اجتماعي واضح وتآكل للهوية الوطنية بين المناطق والبيئات الطائفية المختلفة.

 

  • تراجع الثقة بالمؤسسات العامة والدولة نتيجة شعور البعض بأن حقوقه مهددة أو أنه مستضعف مقارنة بالآخر.

 

  • انتشار خطابات الكراهية والتحريض عبر الإعلام ووسائل التواصل.

 

  • تراجع التعاون والمبادرات المشتركة بين مختلف المكونات المجتمعية

 

  • ارتفاع منسوب القلق والخوف من المكونات الأخرى [20]      

 

توصيات استراتيجية للحكومة الانتقالية في سوريا

 

الحوار والمجتمع المدني:

  • عقد جلسات حوارية على مستوى البلاد تحت شعار: “نلتقي لنرتقي ونتعارف لنتألف” لتعزيز التفاهم والتلاحم الوطني بين السوريين.

 

الإعلام والخطاب العام:

  • إصلاح الخطاب الديني والإعلامي، وتحويله من خطاب محرض وفئوي إلى خطاب يرتكز على العدالة والاستقرار.
  • الاعتماد على المصادر الرسمية في الوصول إلى المعلومات والتأكد من صحتها قبل تداولها.
  • المقاطعة الإعلامية لوسائل البث الإسرائيلية الناطقة بالعربية عبر حملات جماعية.

 

العدالة الانتقالية والمساءلة:

  • العزل السياسي والمنع من الظهور الإعلامي والثقافي لمن أنكر الجرائم أو أيدها أو استهزأ بمعاناة الشعب.
  • الحفاظ على الأدلة ومسارح الجريمة من أي عبث أو تدمير، بما يشمل السجون والمقابر الجماعية.
  • إصلاح المؤسسات عبر تطهيرها من المجرمين وسن قوانين تحمي حقوق الإنسان لمنع تكرار الانتهاكات.
  • العمل السريع على جبر الضرر الحاصل على الشعب السوري مادياً أو معنوياً.

 

الأمن والدفاع:

  • تأهيل المنظومة الأمنية لرفع الكفاءة وتحسين إدارة التنسيق الدولي والإقليمي.
  • تعزيز القدرات الدفاعية عبر تحديث تسليح الجيش العربي السوري وتدريبه على التقنيات العسكرية المتقدمة.
  • سرعة تنفيذ اتفاقية دفاع مشترك مع تركيا لتعزيز السيادة السورية وردع أي اعتداء خارجي.

 

الاقتصاد والتنمية:

  • دعم الاستثمار وإعادة الإعمار وتوفير حياة كريمة للشعب السوري لتعزيز الاستقرار والسلم الأهلي.
  • العمل على ربط الليرة السورية والاقتصاد عامة بالقاعدة الإنتاجية والثروات وقطاعات الصناعة والتجارة والزراعة.

 

التركيبة السكانية والتغيير الديمغرافي:

  • المسارعة ببدء التغيير الديمغرافي لمناطق الأقليات بتوزيعهم في أنحاء البلاد وفق خطط منظمة (مع مراعاة الشروط القانونية والإنسانية).

 

المصادر:

[1] الإخبارية السورية، وفد روسي يصل دمشق  https://2u.pw/yySZM

[2] روسيا اليوم، الشرع يستقبل القيادة المركزية الأمريكية https://2u.pw/0fLGio

[3] الإخبارية السورية، الشيباني يبحث مع السفير الصيني المستجدات الإقليمية https://2u.pw/iKO8xT

[4] رويترز، غارات إسرائيلية تستهدف مجمعاً أمياً في دمشق https://2u.pw/2On31

[5] وول ستريت جورنال، إسرائيل ترى تهديداً متزايداً بمحاولات الإسلاميين توحيد سوريا https://2u.pw/2ersY2E0

[6] ترك برس، الهيمنة عبر القصف.. الأهداف الخفية لإسرائيل في سوريا https://2u.pw/H06KP

[7] الشرق الأوسط: التدخل الإسرائيلي في سوريا.. ما الأهداف وما الرسالة؟ https://2u.pw/lgXc7

[8] الجزيرة: بين الإنجازات والانتهاكات.. أداء جهاز الأمن السوري تحت المجهر https://2u.pw/bJEyPG

[9] الإخبارية السورية: وزارة الداخلية أسلوب توقيف الشاب عبد القادر ثلجي غير مبرر https://2u.pw/2xpUhT

[10] العربي الجديد: مقتل شاب تحت التعذيب في حلب بعد أيام على وفاة آخر في دمشق https://2u.pw/5Mqux0

[11]  وول ستريت جورنال، إسرائيل ترى تهديداً متزايداً بمحاولات الإسلاميين توحيد سوري  https://2u.pw/YgzwTg

[12] مركز سوريا للدراسات والتنمية: هيكلة وزارة الدفاع السورية قراءة في عملية المج العسكري وأبرز التحديات https://2u.pw/2162U7

[13] مركز سوريا للدراسات والتنممية: الولادة النقدية الجديدة هل يكفي حذف صفرين لإنقاذ الاقتصاد السوري؟ https://2u.pw/YpfPSj

[14] REACH Initiative & UNITAR-UNOSAT. (2019, March). Syrian Cities Damage Atlas – Eight Year Anniversary of the Syrian Civil War: Thematic Assessment of Satellite Identified Damage. Retrieved from  file:///C:/Users/Lenovo/Downloads/reach_thematic_assessment_syrian_cities_damage_atlas_march_2019_reduced_file_size

 

[15] العربي الجديد: إعادة إعمار سوريا ب 400 مليار دولار.. أمريكا تستعد لاقتناص الفرص https://2u.pw/Kg5fm

[16] لقاء مع وزير الاقتصاد السوري في اسطنبول،  الشرق الأوسط: عن الفقر في سوريا وتداعيات أخرى https://2u.pw/y43hA9

[17] الشبكة السورية لحقوق الإنسان: التقرير السنوي الرابع عشر عن حالة حقوق الإنسان في سوريا 2024 https://2u.pw/6Gt1ft

 

[18] الجزيرة: غضب بسبب طلاء سجن في سوريا https://www.youtube.com/watch?v=kPHYzGbTNok

 

[19] مركز سوريا للدراسات والتنمية: العدالة الانتقالية ودورها في استقرار الدولة السورية https://2u.pw/JTDcy

 

[20] مركز سوريا للدراسات والتنمية: نحو مجتمع أكثر تماسكاً.. معالجة الطائفية والفئوية في سوريا https://2u.pw/lIzoy

شارك المقال :

فيسبوك
واتسأب
تلجرام
اكس (تويتر)

مقالات قد تعجبك :

عقد مركز سوريا للدراسات والتنمية ندوة حوارية بعنوان “الموقف الأمريكي تجاه سوريا في ظل خطاب الرئيس السوري في الأمم المتحدة”…
التعصب القومي جدار عازل يُطفئ نور الأمة ويبعثر قوتها، أما العقيدة الجامعة فهي الجسر الذي يوحّد تنوعها ويُشعل حضارتها من…
تصعد تركيا ضد إسرائيل عبر مقاطعة تجارية ودبلوماسية نشطة ودعم قانوني دولي، كما تعزز نفوذها الإنساني والجيوسياسي وتدفع نحو إقامة…

القائمة