دور المواطن السوري في بناء دولته

في ظل الظروف الاستثنائية التي مرت بها سوريا، حيث تركت سنوات الصراع آثاراً عميقة على كل من الإنسان والمكان، لم يعد بناء الدولة مجرد مسؤولية تقع على عاتق الحكومات والمؤسسات فحسب، بل أصبح مهمة وطنية جامعة، إن إعادة إحياء سوريا تتطلب إرادة جماعية، ووعياً عميقاً بالمسؤولية الفردية، يبرز دور المواطن السوري كعنصر أساسي في هذه المعادلة، فهو ليس مجرد متلق للمساعدة أو متأثر بالسياسات، بل هو الركيزة الأساسية التي تقوم عليها عملية النهضة والتعافي.

 

دور المواطن السوري في إعادة الإعمار:

 

تعتبر المساهمة في إعادة الإعمار الاقتصادي من أبرز التحديات التي تواجه السوريين. يمكن للمواطن أن يلعب دوراً حيوياً في هذا الجانب من خلال إطلاق مبادرات صغيرة ومتوسطة، وتشجيع المنتجات المحلية، بالإضافة إلى المشاركة في مشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة.

هذه الجهود الفردية تتكامل لتشكل ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، مما يقلل من الاعتماد على المساعدات الخارجية ويحفز النمو الذاتي، وتتجسد هذه الجهود في مبادرات شعبية لجمع التبرعات مثل حملة “أربعاء حمص”، التي نجحت في جمع 13 مليون دولار، وحملة “أبشري حوران” التي جمعت أكثر من 36 مليون دولار، ومبادرات وطنية كبرى مثل صندوق التنمية السوري الذي تجاوزت تبرعاته في يومه الأول 61 مليون دولار.

 

دور المواطن السوري في تعزيز السلم الأهلي:

 

تتطلب عملية إعادة بناء الدولة السورية أكثر من مجرد ترميم المباني، بل تحتاج إلى ترميم الثقة بين أفراد المجتمع، هنا يبرز دور المواطن في تعزيز السلم الأهلي والمصالحة الوطنية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التسامح، واحترام التنوع الثقافي والديني، والعمل على تجاوز الخلافات الماضية، كما يجب على الأفراد والمجتمعات المحلية أن يبذلوا جهودًا لكسر الحواجز الاجتماعية وبناء جسور التواصل، مما يعزز الوحدة الوطنية ويقضي على بذور الفتنة، وتتمثل هذه الجهود في:

 

مجالس الصلح المحلية: التي أقيمت في مناطق مثل دوما بريف دمشق، وتعمل على تسوية الخلافات والمنازعات بين الأفراد والعائلات ودياً، مما يخفف العبء عن القضاء ويعزز ثقافة الحوار بدلاً من العنف.

 

مبادرات الحوار المجتمعي: مثل مبادرة “ابن البلد” في مدينة جبلة، التي تسعى لمد جسور التواصل بين مختلف مكونات المجتمع، ومبادرة “الطائفة السورية” التي قامت بتنظيم لقاءات مجتمعية في عدة مدن مثل حلب ودمشق لتعزيز التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية.

 

مشاريع جبر الضرر: التي أطلقتها منظمات محلية مثل مؤسسة “موج” في مدينة النبك، والتي تهدف إلى دعم ضحايا الصراع وعائلاتهم، وبدء جلسات حوار حول العدالة الانتقالية لضمان عدم تكرار النزاع.

 

دور المواطن السوري في التنمية الاجتماعية والتعليمية:

 

يلعب المواطنون دوراً حاسماً في بناء مستقبل سوريا عبر الاستثمار في التعليم والتنمية الاجتماعية، يمكن للمواطن أن يساهم في نشر الوعي بأهمية التعليم، والمشاركة في حملات دعم المدارس والجامعات، وتقديم المساعدة للطلاب المحتاجين، كما يمكنه أن يشارك في مبادرات المجتمع المدني التي تهدف إلى تحسين الخدمات الصحية، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين من الأزمات. هذه المبادرات لا تعزز فقط القدرات الفردية، بل تساهم في بناء جيل جديد قادر على قيادة سوريا نحو مستقبل أفضل.

 

ومن أبرز الأمثلة على ذلك:

 

مبادرات التعليم غير الرسمي: التي أطلقها متطوعون وشباب سوريون مثل مبادرة “أبجد”، والتي بدأت كمبادرة تطوعية لتعليم الأطفال النازحين والمنقطعين عن الدراسة، وتوسعت لتشمل برامج تعليمية متنوعة ومدرسة افتراضية.

 

 حملات دعم الطلاب: التي تنظمها منظمات مجتمع مدني وفرق تطوعية لمساعدة الطلاب على استكمال تعليمهم الجامعي، مثل حملة “جامعيون ولكن” التي جمعت أقساطاً دراسية لطلاب جامعات في الشمال السوري، بالإضافة إلى حملات لتوزيع الحقائب المدرسية والقرطاسية على الطلاب المحتاجين في مناطق النزاع.

 

 المبادرات الصحية والنفسية: التي قامت بها منظمات مثل الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية ومؤسسة العوض الدولية، من خلال تنظيم حملات للكشف الطبي المجاني، وتوفير الدعم النفسي للأطفال في المخيمات، وتقديم الدعم الاجتماعي للمتضررين من الأزمات.

 

عدم التشكيك في أي مبادرة للنهضة:

 

يتحمل المواطن مسؤولية دعم أي جهود إيجابية تهدف إلى إعادة بناء سوريا، دون التشكيك المسبق في نواياها. يتطلب هذا الأمر المرونة الذهنية وتقبل الأفكار الجديدة، حيث أن كل مبادرة، مهما كانت صغيرة، قد تكون نواة لمشروع أكبر وأكثر تأثيراً. بدلاً من الوقوف موقف المتشكك، يجب على المواطن أن يكون داعماً وداعماً للجهود التي تهدف إلى تحسين الواقع، وأن يعمل على تطوير هذه المبادرات بدلاً من إعاقتها بالانتقادات السلبية.

 

ختاماً:

 

يظهر أن دور المواطن السوري في بناء دولته لا يقتصر على المشاركة في الانتخابات أو المظاهرات، بل هو جهد يومي ومستمر يتجلى في كل عمل فردي يهدف إلى تحقيق التنمية والتعافي. بناء سوريا هو مشروع جماعي، والمواطن هو مهندسه الأول.

شارك المقال :

فيسبوك
واتسأب
تلجرام
اكس (تويتر)

مقالات قد تعجبك :

عقد مركز سوريا للدراسات والتنمية ندوة حوارية بعنوان “الموقف الأمريكي تجاه سوريا في ظل خطاب الرئيس السوري في الأمم المتحدة”…
التعصب القومي جدار عازل يُطفئ نور الأمة ويبعثر قوتها، أما العقيدة الجامعة فهي الجسر الذي يوحّد تنوعها ويُشعل حضارتها من…
تصعد تركيا ضد إسرائيل عبر مقاطعة تجارية ودبلوماسية نشطة ودعم قانوني دولي، كما تعزز نفوذها الإنساني والجيوسياسي وتدفع نحو إقامة…

القائمة