مقدمة
عاشت سوريا خلال الأسابيع الماضية كابوسا سببه أزمة طائفية وفئوية
فلم تعد الطائفية مجرد انتماء اجتماعي ضيق، بل تحولت إلى سلوك جماعي يهدد الاستقرار النفسي والسياسي. يرى علماء النفس الاجتماعي أن المجتمعات التي تُبنى هوياتها على أساس “ضد الآخر” تكون أكثر
عرضة للصراعات الداخلية، وفقدان الثقة المتبادلة.
الطائفية من منظور علم النفس الاجتماعي:
يصف كيفن بويل الطائفية بأنها “وجود هويات جماعية متنافسة تُنتج شعورًا قويًا بالازدواجية والانقسام”. هذا الشعور يؤدي إلى تعزيز مفهوم “نحن مقابل هم”، ما يحفز ثلاثة أنماط سلوكية رئيسية:
1. الخوف الجمعي: تزايد شعور الأفراد بعدم الأمان حتى في بيئتهم القريبة.
2. إقصاء الآخر: استخدام الصور النمطية السلبية (Stereotypes) لتبرير رفض الآخر أو العنف ضده.
3. تراجع الهوية الوطنية الجامعة: إذ تصبح الهوية الطائفية أو الفئوية بديلاً عن الهوية الوطنية المشتركة.
الآثار النفسية والاجتماعية للطائفية:
تأثير الهوية السلبية: تعريف الذات من خلال من نرفضه لا من خلال ما نؤمن به.
العزلة المجتمعية: انسحاب الأفراد إلى جماعات مغلقة تشبههم، ما يقلل فرص التعاون والابتكار.
ارتفاع مستوى القلق الجماعي: ما يزيد احتمالية العنف أو الانسحاب من الحياة العامة.
تشير دراسة أجرتها جامعة دمشق (2023) إلى أن 47% من المشاركين يرون أن الخوف من “الآخر المختلف” هو السبب الأول لانخفاض الشعور بالأمان المجتمعي، مقابل 28% عزوه لغياب العدالة الاقتصادية.
آليات معالجة الطائفية:
1. فتح مساحات حوار مجتمعية: تشجع على المصارحة والتفاهم. أثبتت تجارب جنوب إفريقيا بعد الأبارتهايد أن لجلسات المصارحة الوطنية أثرًا مباشرًا في تقليل النزاعات الداخلية بنسبة 35% خلال خمس سنوات (UNDP، 2021).
2. التربية على الهوية المركبة: اعتماد مناهج تعليمية تؤكد أن الفرد قادر على الانتماء لدينه وطائفته مع الحفاظ على هوية وطنية جامعة.
3. إصلاح الخطاب الإعلامي والديني: التحول من خطاب التعبئة الطائفية إلى خطاب العدالة والمواطنة.
4. مبادرات العدالة الاجتماعية: ضمان حقوق متساوية لجميع المكونات، ما يلغي الحاجة للاختباء وراء هويات فرعية.
النتيجة المرجوة:
مجتمع شامل يرى في الاختلاف مصدر قوة وليس سببًا للفرقة. هذا يتطلب منهجًا شاملاً يدمج بين العلاج النفسي الاجتماعي، وتطوير السياسات، والإصلاح التعليمي، وإعادة صياغة العقد الاجتماعي السوري.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (الحجرات: 13).
✍🏼 د. دعوة الأحدب – محاضرة في علم النفس الاجتماعي